فإن السورة مكية وتشريع الزكاة المعهودة في الاسلام إنما كان بالمدينة ثم صار لفظ الزكاة علما بالغلبة للمقدار المعين المخرج من المال.
وبهذا يستصح تعلق " للزكاة " بقوله: " فاعلون " والمعنى: الذين هم فاعلون للانفاق المالي، وأما لو كان المراد بالزكاة نفس المال المخرج لم يصح تعلقه به إذ المال المخرج ليس فعلا متعلقا بفاعل، ولذا قدر بعض من حمل الزكاة على هذا المعنى لفظ التأدية فكان التقدير عنده والذين هم لتأدية الزكاة فاعلون، ولذا أيضا فسر بعضهم الزكاة بتطهير النفس عن الأخلاق الرذيلة فرارا من تعلق " للزكاة " بقوله: " فاعلون ".
وفي التعبير بقوله: " للزكاة فاعلون " دون أن يقول: للزكاة مؤدون أو ما يؤدي معناه دلالة على عنايتهم بها كقول القائل: إني شارب لمن أمره بشرب الماء فإذا أراد أن يفيد عنايته به قال: إني فاعل.
ومن حق الايمان بالله أن يدعو إلى هذا الانفاق المالي فإن الانسان لا ينال كمال سعادته إلا في مجتمع سعيد ينال فيه كل ذي حق حقه ولا سعادة لمجتمع إلا مع تقارب الطبقات في التمتع من مزايا الحياة وأمتعة العيش، والانفاق المالي على الفقراء والمساكين من أقوى ما يدرك به هذه البغية.
قوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون " إلى آخر الآيات الثلاث، الفروج جمع فرج وهو - على ما قيل - ما يسوء ذكره من الرجال والنساء، وحفظ الفروج كناية عن الاجتناب عن المواقعة سواء كانت زنا أو لواطا أو بإتيان البهائم وغير ذلك.
وقوله: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين " استثناء من حفظ الفروج، والأزواج الحلائل من النساء، وما ملكت أيمانهم الجواري المملوكة فإنهم غير ملومين في مس الأزواج الحلائل والجواري المملوكة.
وقوله: " فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " تفريع على ما تقدم من الاستثناء والمستثنى منه أي إذا كان مقتضى الايمان حفظ الفروج مطلقا إلا عن طائفتين من النساء هما الأزواج وما ملكت أيمانهم، فمن طلب وراء ذلك أي مس غير الطائفتين فأولئك هم المتجاوزون عن الحد الذي حده الله تعالى لهم.
وقد تقدم كلام ما فيما يستعقبه الزنا من فساد النوع في ذيل قوله: " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " اسرى: 32 في الجزء الثالث عشر من الكتاب.