تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٠٠
التأسف وتحقيق الامر للحصول على الفاعل المرتكب للظلم ويؤيد ذلك قوله تلوا:
" قالوا سمعنا فتى يذكرهم " الخ فقول بعضهم: إن " من موصولة ليس بسديد.
وقوله: " إنه لمن الظالمين قضاء منهم بكونه ظالما يجب أن يساس على ظلمه إذ قد ظلم الالهة بالتعدي إلى حقهم وهو التعظيم وظلم الناس بالتعدي إلى حقهم وهو احترام آلهتهم وتقديس مقدساتهم وظلم نفسه بالتعدي إلى ما ليس له بحق وارتكاب ما لم يكن له أن يرتكبه.
قوله تعالى: " قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " المراد بالذكر - على ما يستفاد من المقام - الذكر بالسوء أي سمعنا فتى يذكر الالهة بالسوء فإن يكن فهو الذي فعل هذا بهم إذ لا يتجرئ لارتكاب مثل هذا الجرم إلا مثل ذاك المتجرى. وقوله: " يقال له إبراهيم " برفع إبراهيم وهو خبر لمبتدء محذوف والتقدير هو إبراهيم كذا ذكره الزمخشري.
قوله تعالى: " قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون " المراد بإتيانه على أعين الناس إحضاره في مجمع من الناس ومرآهم وهو حيث كسرت الأصنام كما يظهر من قول إبراهيم عليه السلام: " بل فعله كبيرهم هذا " بالإشارة إلى كبير الأصنام.
وكأن المراد بشهادتهم أن يشهدوا عليه بأنه كان يذكرهم بالسوء فيكون ذلك ذريعة إلى أخذ الاقرار منه بالجذ والكسر، وأما ما قيل: أن المراد شهادتهم عقاب إبراهيم على ما فعل فبعيد.
قوله تعالى: " قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم الاستفهام - كما قيل - للتقرير بالفاعل فإن أصل الفعل مفروغ عنه معلوم الوقوع، وفي قولهم " بآلهتنا " تلويح إلى أنهم ما كانوا يعدونه من عبدة الأصنام.
قوله تعالى: " قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ما أخبر عليه السلام به بقوله: " بل فعله كبيرهم هذا " دعوى بداعي إلزام الخصم وفرض وتقدير قصد به إبطال ألوهيتها كما سيصرح به في قوله: " أفتعبدون ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم " الخ. وليس بخبر جدي البتة، وهذا كثير الورود في المخاصمات والمناظرات
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»
الفهرست