تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٩٧
الفطري التام إلى التوحيد وسائر المعارف الحقة وإضافة الرشد إلى الضمير الراجع إلى إبراهيم تفيد الاختصاص وتعطى معنى اللياقة ويؤيد ذلك قوله بعده: " وكنا به عالمين " وهو كناية عن العلم بخصوصية حاله ومبلغ استعداده.
والمعنى: وأقسم لقد أعطينا إبراهيم ما يستعد له ويليق به من الرشد وإصابة الواقع وكنا عالمين بمبلغ استعداده ولياقته، والذي آتاه الله سبحانه - كما تقدم - هو ما أدركه بصفاء فطرته ونور بصيرته من حقيقة التوحيد وسائر المعارف الحقة من غير تعليم معلم أو تذكير مذكر أو تلقين ملقن.
قوله تعالى: " إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " التمثال الشئ المصور والجمع تماثيل، والعكوف الاقبال على الشئ وملازمته على سبيل التعظيم له كذا ذكره الراغب فيهما.
يريد عليه السلام بهذه التماثيل الأصنام التي كانوا نصبوها للعبادة وتقريب القرابين وكان سؤاله عن حقيقتها ليعرف ما شأنها وقد كان أول وروده في المجتمع وقد ورد في مجتمع ديني يعبدون التماثيل والأصنام، والسؤال مع ذلك مجموع سؤالين اثنين وسؤاله أباه عن الأصنام كان قبل سؤاله قومه على ما أشير إليه في سورة الأنعام ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين " هو جواب القوم ولما كان سؤاله عليه السلام عن حقيقة الأصنام راجعا بالحقيقة إلى سؤال السبب لعبادتهم إياها تمسكوا في التعليل بذيل السنة القومية فذكروا أن ذلك من سنة آبائهم وجدودهم يعبدونها.
قوله تعالى: " قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين " ووج كونهم في ضلال مبين ما سيورده في محاجة القوم بعد كسر الأصنام من قوله: " أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ".
قوله تعالى: " قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين " سؤال تعجب واستبعاد وهو شأن المقلد التابع من غير بصيرة إذا صادف إنكار لما هو فيه استبعد ولم يكد يذعن بأنه مما يمكن أن ينكره منكر ولذا سألوه أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين والمراد بالحق - على ما يعطيه السياق - الجد أي أتقول ما تقوله جدا أم تلعب به؟
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست