قوله تعالى: " قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين " هو عليه السلام - كما ترى - يحكم بأن ربهم هو رب السماوات وأن هذا الرب هو الذي فطر السماوات والأرض وهو الله سبحانه، وفي ذلك مقابلة تامة لمذهبهم في الربوبية والألوهية فإنهم يرون أن لهم إلها أو آلهة غير ما للسماوات والأرض من الاله أو الالهة وهم جميعا غير الله سبحانه ولا يرونه تعالى إلها لهم ولا لشئ من السماوات والأرض بل يعتقدون أنه إله الالهة ورب الأرباب وفاطر الكل.
فقوله: " بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن " رد لمذهبهم في الألوهية بجميع جهاته وإثبات أن لا إله إلا الله وهو " التوحيد.
ثم كشف عليه السلام بقوله: " وأنا على ذلكم من الشاهدين " عن أنه معترف مقر بما قاله ملتزم بلوازمه وآثاره شاهد عليه شهادة إقرار والتزام فإن العلم بالشئ غير الالتزام به وربما تفارقا كما قال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14.
وبهذا التشهد يتم الجواب عن سؤالهم أهو مجد فيما يقول أم لاعب والجواب لا بل أعلم بذلك وأتدين به.
هذا ما يعطيه السياق في معنى الآية ولهم في تفسيرها أقاويل أخر وكذا في معاني آيات القصة السابقة واللاحقة وجوه أخر أضربنا عنها لعدم جدوى في التعرض لها فلا سياق الآيات يساعد عليها ولا مذاهب الوثنية توافقها.
قوله تعالى: " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " معطوف على قوله: " بل ربكم " الخ أي قال لأكيدن أصنامكم " الخ " والكيد التدبير الخفي على الشئ بما يسوؤه، وفي قوله: بعد أن تولوا مدبرين " دلالة على أنهم كانوا يخرجون من البلد أو من بيت الأصنام أحيانا لعيد كان لهم أو نحوه فيبقى الجو خاليا.
وسياق القصة وطبع هذا الكلام يستدعي أن يكون قوله: " وتالله لأكيدن أصنامكم بمعنى تصميمه العزم على أن يكيد أصنامهم فكثيرا ما يعبر عن تصميم العزم بالقول يقال:
لأفعلن كذا لقول قلته أي لعزم صممته.
ومن البعيد أن يكون مخاطبا به القوم وهم أمة وثنية كبيرة ذات قوة وشوكة