تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٨٥
طيبة ناعمة وليس كذلك بل كل نفس ذائقة الموت، والحياة الدنيا مبنية على الفتنة والامتحان، ولا معنى للفتنة الدائمة والامتحان الخالد بل يجب أن يرجعوا إلى ربهم فيجازيهم على ما امتحنهم وميزهم.
قوله تعالى: " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون " لفظ النفس - على ما يعطيه التأمل في موارد استعماله - أصل معناه هو معنى ما أضيف إليه فنفس الشئ معناه الشئ ونفس الانسان معناه هو الانسان ونفس الحجر معناه هو الحجر فلو قطع عن الإضافة لم يكن له معنى محصل، وعلى هذا المعنى يستعمل للتأكيد اللفظي كقولنا: جاءني زيد نفسه أو لإفادة معناه كقولنا جاءني نفس زيد.
وبهذا المعنى يطلق على كل شئ حتى عليه تعالى كما قال: " كتب على نفسه " الرحمة " الانعام: 12، وقال: " ويحذركم الله نفسه " آل عمران: 28، وقال:
" تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " المائدة: 116.
ثم شاع استعمال لفظها في شخص الانسان خاصة وهو الموجود المركب من روح وبدن فصار ذا معنى في نفسه وإن قطع عن الإضافة قال تعالى: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها " أي من شخص إنساني واحد، وقال: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " المائدة: 32: أي من قتل إنسانا ومن أحيا إنسانا، وقد اجتمع المعنيان في قوله: " كل نفس تجادل عن نفسها " فالنفس الأولى بالمعنى الثاني والثانية بالمعنى الأول.
ثم استعملوها في الروح الانساني لما أن الحياة والعلم والقدرة التي بها قوام الانسان قائمة بها ومنه قوله تعالى: " أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون " الانعام: 93.
ولم يطرد هذان الاطلاقان أعني الثاني والثالث في غير الانسان كالنبات وسائر الحيوان إلا بحسب الاصطلاح العلمي فلا يقال للواحد من النبات والحيوان عرفا نفس ولا للمبدأ المدبر لجسمه نفس نعم ربما سميت الدم نفسا لان للحياة توقفا عليها ومنه النفس السائلة.
وكذا لا يطلق النفس في اللغة بأحد الاطلاقين الثاني والثالث على الملك والجن وإن كان معتقدهم أن لهما حياة، ولم يرد استعمال النفس فيهما في القرآن أيضا وإن نطقت الآيات بأن للجن تكليفا كالانسان وموتا وحشرا قال: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات: 56 وقال في أمم قد خلت من قبلهم من الجن
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست