تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٧٧
وقوله: " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " تعرض لشفاعتهم لغيرهم وهو الذي تعلق به الوثنيون في عبادتهم الملائكة كما ينبئ عنه قولهم: " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " " إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى " فرد تعالى عليهم بأن الملائكة إنما يشفعون لمن ارتضاه الله والمراد به ارتضاء دينه لقوله تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء: 48، فالايمان بالله من غير شرك هو الارتضاء، والوثنيون مشركون، ومن عجيب أمرهم أنهم يشركون بنفس الملائكة الذين لا يشفعون إلا لغير المشركين من الموحدين.
وقوله: " وهم من خشيته مشفقون " هي الخشية من سخطه وعذابه مع الامن منه بسبب عدم المعصية وذلك لان جعله تعالى إياهم في أمن من العذاب بما أفاض عليهم من العصمة لا يحدد قدرته تعالى ولا ينتزع الملك من يده، فهو يملك بعد الامن عين ما كان يملكه قبله، وهو على كل شئ قدير، وبذلك يستقيم معنى الآية التالية.
قوله تعالى: " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " أي من قال كذا كان ظالما ونجزيه جهنم لأنها جزاء الظالم، والآية قضية شرطية والشرطية لا تقتضي تحقق الشرط.
قوله تعالى: " أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون " المراد بالرؤية العلم الفكري وإنما عبر بالرؤية لظهوره من حيث إنه نتيجة التفكير في أمر محسوس.
والرتق والفتق معنيان متقابلان، قال الراغب في المفردات: الرتق الضم والالتحام خلقة كان أم صنعة، قال تعالى: " كانتا رتقا ففتقناهما " وقال: الفتق الفصل بين المتصلين وهو ضد الرتق. انتهى. وضمير التثنية في " كانتا رتقا ففتقناهما " للسماوات والأرض بعد السماوات طائفة والأرض طائفة فهما طائفتان اثنتان، ومجئ الخبر أعني رتقا مفردا لكونه مصدرا وإن كان بمعنى المفعول والمعنى كانت هاتان الطائفتان منضمتين متصلتين ففصلناهما.
وهذه الآية والآيات الثلاث التالية لها برهان على توحيده تعالى في ربوبيته للعالم كله أوردها بمناسبة ما انجر الكلام إلى توحيده ونفى ما اتخذوها آلهة من دون الله وعدوا الملائكة وهم من الالهة عندهم أولادا له، بانين في ذلك على أن الخلقة والايجاد لله
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست