تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٧٦
الآية أن الملائكة لا يعرفون النهي إذ النهي فرع جواز الاتيان بالفعل المنهي عنه وهم لا يفعلون إلا عن أمر. ويمكن أن يستفاد من قوله تعالى: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " يس: 83، وقوله: " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " القمر: 50، حقيقة معنى أمره تعالى وقد تقدم في بعض المباحث السابقة كلام في ذلك وسيجئ استيفاء البحث في كلام خاص بالملائكة فيما يعطيه القرآن في حقيقة الملك.
قوله تعالى: " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون " فسروا " ما بين أيديهم وما خلفهم " بما قدموا من أعمالهم وما أخروا، والمعنى: يعلم ما عملوا وما هم عاملون.
فقوله: " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " استئناف في مقام التعليل لما تقدمه من قوله: " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " كأنه قيل: إنما لم يقدموا على قول أو عمل بغير أمره تعالى لأنه يعلم ما قدموا من قول وعمل وما أخروا فلا يزالون يراقبون أحوالهم حيث إنهم يعلمون ذلك.
وهو معنى جيد في نفسه لكنه إنما يصلح لتعليل عدم إقدامهم على المعصية لا لتعليل قصر عملهم على مورد الامر وهو المطلوب، على أن لفظ الآية لا دلالة فيه على أنهم يعلمون ذلك ولولا ذلك لم يتم البيان.
وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا " مريم: 64، أن الا وجه حمل قوله: " ما بين أيدينا " على الأعمال والآثار المتفرعة على وجودهم، وقوله: " وما خلفنا " على ما هو من أسباب وجودهم مما تقدمهم وتحقق قبلهم فلو حمل اللفظتان في هذه الآية على ما حملتا عليه هناك كانت الجملة تعليلا واضحا لمجموع قوله: " بل عباد مكرمون - إلى قوله - بأمره يعملون " الذي يذكرهم بشرافة الذات وشرافة آثار الذات من القول والفعل ويكون المعنى: إنما أكرم الله ذواتهم وحمد آثارهم لأنه يعلم أعمالهم وأقوالهم وهي ما بين أيديهم ويعلم السبب الذي به وجدوا والأصل الذي عليه نشأوا وهو ما خلفهم كما يقال: فلان كريم النفس حميد السيرة لأنه مرضي الأعمال من أسره كريمة.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست