تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٦٥
الآية التالية، قال في مجمع البيان: الاستحسار الانقطاع عن الاعياء يقال: بعير حسير أي معي، وأصله من قولهم: " حسر عن ذراعيه، فالمعنى أنه كشف قوته بإعياء انتهى.
والمراد بقوله: " ومن عنده " المخصوصون بموهبة القرب والحضور وربما انطبق على الملائكة المقربين، وقوله يسبحون الليل والنهار لا يفترون بمنزلة التفسير لقوله: " ولا يستحسرون أي لا يأخذهم عي وكلال بل يسبحون الليل والنهار من غير فتور، والتسبيح بالليل والنهار كناية عن دوام التسبيح من غير انقطاع.
يصف تعالى حال المقربين من عباده والمكرمين من ملائكته أنهم مستغرقون في عبوديته مكبون على عبادته لا يشغلهم عن ذلك شاغل ولا يصرفهم صارف وكأن الكلام مسوق لبيان خصوصية مالكيته وسلطنته المذكورة في صدر الآية.
وذلك أن السنة الجارية بين الموالي وعبيدهم في الملك الاعتباري أن العبد كلما زاد تقربا من مولاه خفف عنه بالاغماض عن كثير من الوظائف والرسوم الجارية على عامة العبيد، وكان معفوا عن الحساب والمؤاخذة وذلك لكون الاجتماع المدني الانساني مبنيا على التعاون بمبادلة المنافع بحسب مساس الحاجة والحاجة قائمة دائما، والمولى أحوج إلى مقربي عبيده من غيرهم كما أن الملك أحوج إلى مقربي حضرته من غيرهم فإذا كان انتفاع المولى من عبده المقرب أكثر من غيره فليكن ما يبذله من الكرامة بإزاء منافع خدمته كذلك ولذا يرفع عنه كثير مما يوضع لغيره ويعفى عن بعض ما يؤاخذ به غيره فإنما هي معاملة ومبايعة.
وهذا بخلاف ملكه تعالى لعبيده فإنه ملك حقيقي مالكه في غنى مطلق عن مملوكه، ومملوكه في حاجة مطلقة إلى مالكه ولا يختلف الحال فيه بالقرب والبعد وعلو المقام ودنوه بل كلما زاد العبد فيه قربا كانت العظمة والكبرياء والعزة والبهاء عنده أظهر والاحساس بذلة نفسه ومسكنتها وحاجتها أكثر ويلزمها الامعان في خشوع العبودية وخضوع العبادة.
فكأن قوله: " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون " الخ إشارة إلى أن ملكه تعالى - وقد أشار قبل إلى أنه مقتض للعبادة والحساب والجزاء - على خلاف الملك الدائر في المجتمع الانساني، فلا يطمعن طامع أن يعفى عنه العمل أو الحساب والجزاء.
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»
الفهرست