تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٥٣
آية من آيات الأولين وهم لا يؤمنون برسالتهم ولا يعترفون بآياتهم. وفي قولهم:
" فليأتنا بآية كما أرسل الأولون "، مع ذلك وعد ضمني بالايمان لو أتى بآية من الآيات المقترحة.
قوله تعالى: " ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون " رد وتكذيب لما يشتمل عليه قولهم: " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " من الوعد الضمني بالايمان لو أتى بشئ مما اقترحوه من آيات الأولين.
ومحصل المعنى على ما يعطيه السياق أنهم كاذبون في وعدهم ولو أنزلنا شيئا مما اقترحوه من آيات الأولين لم يؤمنوا بها وكان فيها هلاكهم فإن الأولين من أهل القرى اقترحوها فأنزلناها فلم يؤمنوا بها فأهلكناهم، وطباع هؤلاء طباع أوليهم في الاسراف والاستكبار فليسوا بمؤمنين فالآية بوجه مثل قوله: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " يونس: 74.
وعلى هذا ففي الآية حذف وإيجاز والتقدير نحو من قولنا ما آمنت قبلهم أهل قرية اقترحوا الآيات فأنزلناها عليهم وأهلكناهم لما لم يؤمنوا بها بعد النزول أفهم يعني مشركي العرب يؤمنون وهم مثلهم في الاسراف فتوصيف القرية بقوله: " أهلكناها " توصيف بآخر ما اتصفت بها للدلالة على أن عاقبة إجابة ما اقترحوه هي الهلاك لا غير.
قوله تعالى: " وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون جواب عما احتجوا به على نفي نبوته صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم: " هل هذا إلا بشر مثلكم "، بأن الماضين من الأنبياء لم يكونوا إلا رجالا من البشر فالبشرية لا تنافي النبوة.
وتوصيف " رجالا " بقوله: " نوحي إليهم " للإشارة إلى الفرق بين الأنبياء وغيرهم ومحصلة أن الفرق الوحيد بين النبي وغيره هو أنا نوحي إلى الأنبياء دون غيرهم والوحي موهبة ومن خاص لا يجب أن يعم كل بشر فيكون إذا تحقق تحقق في الجميع وإذا لم يوجد في واحد لم يوجد في الجميع حتى تحكموا بعدم وجدانه عندكم على عدم وجوده عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك كسائر الصفات الخاصة التي لا توجد إلا في الواحد بعد الواحد من البشر مما لا سبيل إلى إنكارها.
فالآية تنحل إلى حجتين تقومان على إبطال استدلالهم ببشريته على نفي نبوته
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»
الفهرست