تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٦٤
فحجة الحق تبطلها، وأن كان عملا وسنة كما في القرى المسرفة الظالمة فالعذاب المستأصل يستأصله ويبطله، وإن كان غير ذلك فغير ذلك.
وقد فسر الآية بعضهم بقوله: لكنا لا نريد اتخاذ اللهو بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو، وهو خطأ فإن فيه اعترافا بوجود اللهو ولم يرد في سابق الكلام إلا اللهو المنسوب إليه تعالى الذي نفاه الله عن نفسه فالحق أن الآية لا إطلاق لها بالنسبة إلى الجد واللهو إذ لا وجود للهو حتى تشمله الآية وتشمل ما يقابله.
وقوله: " ولكم الويل مما تصفون وعيد للناس المنكرين للمعاد والنبوة على ما تقدم من توضيح مقتضى السياق.
ويظهر من الآية حقيقة الرجوع إلى الله تعالى وهو أنه تعالى لا يزال يقذف بالحق على الباطل فيحق الحق ويخلصه من الباطل الذي يشوبه أو يستره حتى لا يبقى إلا الحق المحض وهو الله الحق عز اسمه قال: " ويعلمون أن الله هو الحق المبين " النور:
25، فيسقط يومئذ ما كان يظن للأسباب من استقلال التأثير ويزعم لغيره من القوة والملك والامر كما قال: " لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " الانعام:
94، وقال: " أن القوة لله جميعا " البقرة: 165، وقال: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16، وقال: " والامر يومئذ لله " الانفطار: 19، والآيات المشيرة إلى هذا المعنى كثيرة.
قوله تعالى: " وله من في السماوات والأرض " دفع لاحد الاحتمالات المنافية للمعاد في الجملة وهو أن لا يتسلط سبحانه على بعض أو كل الناس فينجو من لا يملكه من الرجوع إليه والحساب والجزاء فأجيب بأن ملكه تعالى عام شامل لجميع من في السماوات والأرض فله أن يتصرف فيها أي تصرف أراد.
ومن المعلوم أن هذا الملك حقيقي من لوازم الايجاد بمعنى قيام الشئ بسببه الموجد له بحيث لا يعصيه في أي تصرف فيه، والايجاد يختص بالله سبحانه لا يشاركه فيه غيره حتى عند الوثنيين المثبتين لآلهة أخرى للتدبير والعبادة فكل من في السماوات والأرض مملوك لله لا مالك غيره.
قوله تعالى: " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون " إلى آخر
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست