تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٢٥٢
العليم بأفعالكم فالامر إليه وليس لي من الامر شئ.
والآية حكاية قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم لما أسروا النجوى وقطعوا على تكذيب نبوته ورمي آيته وهو كتابه بالسحر وفيها إرجاع الامر وإحالته إلى الله سبحانه كما في غالب الموارد التي اقترحوا عليه فيها الآية وكذلك سائر الأنبياء كقوله: " قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين " الملك: 26، وقوله: " قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به " الأحقاف: 23، وقوله: " قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين " العنكبوت: 50.
قوله تعالى: " بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " تدرج منهم في الرمي والتكذيب، فقولهم: أضغاث أحلام أي تخاليط من رؤي غير منظمة رآها فحسبها نبوة وكتابا فأمره أهون من السحر، وقولهم: " بل افتراه " ترق من سابقه فإن كونه أضغاث أحلام كان لازمه التباس الامر واشتباهه عليه لكن الافتراء يستلزم التعمد، وقولهم: " بل هو شاعر " ترق من سابقه من جهة أخرى فإن المفتري إنما يقول عن ترو وتدبر فيه لكن الشاعر إنما يلفظ ما يتخيله ويروم ما يزينه له إحساسه من غير ترو وتدبر فربما مدح القبيح على قبحه وربما ذم الجميل على جماله، وربما أنكر الضروري وربما أصر على الباطل المحض، وربما صدق الكذب أو كذب الصدق.
وقولهم: " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " الكلام متفرع على ما تقدمه والمراد بالأولين الأنبياء الماضون أي إذا كان هذا الذي أتى به وهو يعده آية وهو القرآن أضغاث أحلام أو افتراء أو شعر فليس يتم بذلك دعواه النبوة ولا يقنعنا ذلك فليأتنا بآية كما أتى الأولون من الآيات مثل الناقة والعصا وليد البيضاء.
وفي قوله: " كما أرسل الأولون " وكان الظاهر من السياق أن يقال: كما أتى بها الأولون إشارة إلى أن الآية من لوازم الارسال فلو كان رسولا فليقتد بالأولين فيما احتجوا به على رسالتهم.
والمشركون من الوثنيين منكرون للنبوة من رأس فقول هؤلاء " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون دليل ظاهر على أنهم متحيرون في أمرهم لا يدرون ما يصنعون؟
فتارة يواجهونه بالتهكم وأخرى يتحكمون وثالثة بما يناقض معتقد أنفسهم فيقترحون
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست