وتبقى هذه الرحمة إلى مجئ وعد ربى فإذا جاء وعد ربى جعله مدكوكا وسوى به الأرض.
والمراد بالوعد إما وعد منه تعالى خاص بالسد أنه سيندك عند اقتراب الساعة فيكون هذا ملحمة أخبر بها ذو القرنين، وإما وعده تعالى العام بقيام الساعة الذي يدك الجبال ويخرب الدنيا، وقد أكد القول بجملة " وكان وعد ربى حقا ".
قوله تعالى. " وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض " الخ ظاهر السياق أن ضمير الجمع للناس ويؤيده رجوع ضمير " فجمعناهم " إلى الناس قطعا لان حكم الجمع عام.
وفي قوله: " بعضهم يومئذ يموج في بعض " استعارة، والمراد أنهم يضطربون يومئذ من شدة الهول اضطراب البحر باندفاع بعضه إلى بعض فيرتفع من بينهم النظم ويحكم فيهم الهرج والمرج ويعرض عنهم ربهم فلا يشملهم برحمته، ولا يصلح شأنهم بعنايته.
فالآية بمنزلة التفصيل للاجمال الذي في قول ذي القرنين: " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء " ونظيرة قوله تعالى في موضع آخر: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين " الأنبياء: 97. وهي على أي حال من الملاحم.
وقد بان مما مر أن الترك في الآية بمعناه المتبادر منه وهو خلاف الاخذ ولا موجب لما ذكره بعضهم: أن الترك بمعنى الجعل وهو من الأضداد انتهى.
والآية من كلام الله سبحانه وليست من تمام كلام ذي القرنين والدليل عليه تغيير السياق من الغيبة إلى التكلم مع الغير الذي هو سياق كلامه السابق " انا مكنا له " " قلنا يا ذا القرنين ولو كان من تمام كلام ذي القرنين لقيل: وترك بعضهم على حذاء قوله: " جعله دكاء ".
وقوله: " ونفخ في الصور " الخ هي النفخة الثانية التي فيها الاحياء بدليل قوله " فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ".
قوله تعالى: " الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا "