فهم يظنون أن ولايتهم تكفيهم وتنفعهم وتدفع عنهم الضر والحال أن ما سيلقونه بعد النفخ والجمع يناقض ذلك فالآية تنكر عليهم هذا الظن والحسبان بعد ما كان مال أمرهم ذلك. ثم إن إمكان قيام أن وصلته مقام مفعولي حسب وقد ورد في كلامه تعالى كثيرا كقوله: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا " الجاثية:
21 وغيره يغني عن تقدير مفعول ثان محذوف وقد منع عنه بعض النحاة.
وتؤيده الآيات التالية: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا: الخ وكذا القراءة المنسوبة إلى علي عليه السلام وعدة منهم " أفحسب " بسكون السين وضم الباء والمعنى أفاتخاذ عبادي من دوني أولياء كاف لهم.
والمراد بالعباد في قوله: " أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء " كل من يعبده الوثنيون من الملائكة والجن والكملين من البشر.
وأما ما ذكره المفسرون أن المراد بهم المسيح عليه السلام والملائكة ونحوهم من المقربين دون الشياطين لان الأكثر في مثل هذا اللفظ " عبادي " أن تكون الإضافة لتشريف المضاف.
ففيه أولا أن المقام لا يناسب التشريف. وهو ظاهر. وثانيا أن قيد " من دوني " في الكلام صريح في أن المراد بالذين كفروا هم الوثنيون الذين لا يعبدون الله مع الاعتراف بألوهيته وإنما يعبدون الشركاء الشفعاء؟ وأما أهل الكتاب مثلا النصارى في اتخاذهم المسيح وليا فإنهم لا ينفون ولاية الله بل يثبتون الولايتين معا ثم يعدونهما واحدا فافهم ذلك فالحق أن قوله: " عبادي " لا يعم المسيح ومن كان مثله من البشر بل يختص بآلهة الوثنيين والمراد بقوله: " الذين كفروا " الوثنيون فحسب.
وقوله: إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " أي شيئا يتمتعون به عند أول نزولهم الدار الآخرة شبه الدار الآخرة بالدار ينزلها الضيف وجهنم بالنزل الذي يكرم به الضيف النزيل لدى أول وروده، ويزيد هذا التشبيه لطفا وجمالا ما سيأتي بعد آيتين أنهم لا يقام لهم وزن يوم القيامة فكأنهم لا يلبثون دون ان يدخلوا النار، وفي الآية من التهكم ما لا يخفى وكأنما قوبل به ما سيحكى من تهكمهم في الدنيا بقوله:
" واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ".