وفيه الجزائر الخالدات التي كانت مبدء الطول سابقا ثم غرقت.
وقرئ " في عين حامية أي حارة وينطبق على النقاط القريبة من خط الاستواء من المحيط الغربي المجاورة لإفريقية ولعل ذا القرنين في رحلته الغربية بلغ سواحل إفريقية.
قوله تعالى: " قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا " القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوي وفي الابلاغ بواسطة الوحي كقوله تعالى: " وقلنا يا آدم أسكن " البقرة: 35 وقوله: " وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية " البقرة: 58، ويستعمل في الالهام الذي ليس من النبوة كقوله " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه " القصص " 7.
وبه يظهر أن قوله: " قلنا يا ذا القرنين " الخ لا يدل على كونه نبيا يوحى إليه لكون قوله تعالى أعم من الوحي المختص بالنبوة ولا يخلو قوله ثم يرد إلى ربه فيعذبه " الخ حيث أورد في سياق الغيبة بالنسبة إليه تعالى من إشعار بأن مكالمته كانت بتوسط نبي كان معه فملكه نظير ملك طالوت في بني إسرائيل بإشارة من نبيهم وهدايته.
وقوله: " إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا " أي إما أن تعذب هؤلاء القوم وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن، فحسنا مصدر بمعنى الفاعل قائم مقام موصوفه أو هو وصف للمبالغة، وقد قيل: إن في مقابلة العذاب باتخاذ الحسن إيماء إلى ترجيحه والكلام ترديد خبري بداعي الإباحة فهو إنشاء في صورة الاخبار، والمعنى لك أن تعذبهم ولك أن تعفو عنهم كما قيل، لكن الظاهر أنه استخبار عما سيفعله بهم من سياسة أو عفو، وهو الأوفق بسياق الجواب المشتمل على التفصيل بالتعذيب والاحسان " أما من ظلم فسوف نعذبه " الخ إذ لو كان قوله: " إما أن تعذب " الخ حكما تخييريا لكان قوله: " أما من ظلم " الخ تقريرا له وإيذانا بالقبول ولا كثير فائدة فيه.
ومحصل المعنى استخبرناه ماذا تريد أن تفعل بهم من العذاب والاحسان وقد غلبتهم واستوليت عليهم؟ فقال: نعذب الظالم؟ منهم ثم يرد إلى ربه فيعذبه العذاب النكر، ونحسن إلى المؤمن الصالح ونكلفه بما فيه يسر.
ولم يذكر المفعول في قوله: " إما أن تعذب " بخلاف قوله: " إما أن تتخذ فيهم حسنا " لان جميعهم لم يكونوا ظالمين، وليس من الجائز تعميم العذاب لقوم هذا شأنهم