قوله تعالى: " كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا " الظاهر أن قوله: " كذلك " إشارة إلى وصفهم المذكور في الكلام وتشبيه الشئ بنفسه مبنيا على دعوى المغايرة يفيد نوعا من التأكيد، وقد قيل في المشار إليه بذلك وجوه اخر بعيدة عن الفهم.
وقوله: " وقد أحطنا بما لديه خبرا " الضمير لذي القرنين والجملة حالية والمعنى أنه اتخذ وسيلة السير وبلغ مطلع الشمس ووجد قوما كذا وكذا في حال أحاط فيها علمنا وخبرنا بما عنده من عدة وعدة وما يجريه أو يجري عليه. والظاهر أن إحاطة علمه تعالى بما عنده كناية عن كون ما اختاره وأتى به بهداية من الله وأمر، فما كان يرد ولا يصدر إلا عن هداية يهتدي بها وأمر يأتمره كما أشار إلى مثل هذا المعنى عند ذكر مسيره إلى المغرب بقوله: " قلنا يا ذا القرنين " الخ فالآية أعني قوله: " وقد أحطنا " الخ في معناها الكنائي نظيرة قوله: " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا " هود: 37، وقوله: " أنزله بعلمه " النساء: 166، وقوله:
" وأحاط بما لديهم: الجن: 28.
وقيل: " إن الآية لإفادة تعظيم أمره وأنه لا يحيط بدقائقه وجزئياته إلا الله أو لتهويل ما قاساه ذو القرنين في هذا المسير وأن ما تحمله من المصائب والشدائد في علم الله لم يكن ليخفى عليه، أو لتعظيم السبب الذي اتبعه، وما قدمناه أوجه.
قوله تعالى: " ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين " إلى آخر الآية. السد الجبل وكل حاجز يسد طريق العبور وكأن المراد بهما الجبلان، وقوله: " وجد من دونهما: قوما أي قريبا منهما، وقوله: لا يكادون يفقهون قولا " كناية عن بساطتهم وسذاجة فهمهم، وربما قيل كناية عن غرابة لغتهم وبعدها عن اللغات المعروفة عندهم، ولا يخلو عن بعد.
قوله تعالي: " قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون " الخ الظاهر أن القائلين هم القوم الذين وجدهم من دون الجبلين، ويأجوج ومأجوج جيلان من الناس كانوا يأتونهم من وراء الجبلين فيغيرون عليهم ويعمونهم قتلا وسبيا ونهبا والدليل عليه السياق بما فيه من ضمائر اولي العقل وعمل السد بين الجبلين وغير ذلك.