موسى وسأله أن يتبعه فيعلمه شيئا ذا رشد مما علمه الله. قال العالم: انك لن تستطيع معي صبرا على ما تشاهده من أعمالي التي لا علم لك بتأويلها، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فوعده موسى ان يصبر ولا يعصيه في أمر إن شاء الله فقال له العالم بانيا على ما طلبه منه ووعده به: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا.
فانطلق موسى والعالم حتى ركبا سفينة وفيها ناس من الركاب وموسى خالي الذهن عما في قصد العالم فخرق العالم السفينة خرقا لا يؤمن معه الغرق فأدهش ذلك موسى وأنساه وما وعده فقال للعالم: أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا أمرا قال له العالم ألم أقل انك لن تسطيع معي صبرا؟ فاعتذر إليه موسى بأنه نسي ما وعده من الصبر قائلا: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا.
فانطلقا فلقيا غلاما فقتله العالم فلم يملك موسى نفسه دون ان تغير وأنكر عليه ذلك قائلا: أقتلت نفسا زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال له العالم ثانيا: لم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا؟ فلم يكن عند موسى ما يعتذر به ويمتنع به عن مفارقته ونفسه غير راضية بها فاستدعى منه مصاحبة مؤجلة بسؤال آخر ان اتى به كان له فراقه واستمهله قائلا: ان سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا وقبله العالم.
فانطلقا حتى اتيا قرية وقد بلغ بهما الجوع فاستطعما أهلها فلم يضيفهما أحد منهم وإذا بجدار فيها يريد أن ينقض ويتحذر منه الناس فأقامه العالم. قال له موسى: " لو شئت لاتخذت على عملك منهم اجرا فتوسلنا به إلى سد الجوع فنحن في حاجة إليه والقوم لا يضيفوننا.
فقال له العالم: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ثم قال: اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ويتعيشون بها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فخرقتها لتكون معيبة لا يرغب فيها.
وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين، ولو أنه عاش لأرهقهما بكفره