يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم فقالوا له: من أنت، ومن أين جئت؟
فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال بعضهم:
خمسة سادسهم كلبهم، وقال بعضهم سبعة وثامنهم كلبهم.
وحجبهم الله بحجاب من الرعب فلم يكن يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل، وأنهم آية للناس فبكوا وسألوا الله أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا.
ثم قال الملك: ينبغي أن نبني ههنا مسجدا نزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون.
فلهم في كل سنة تقلبان ينامون ستة أشهر على جنوبهم (1) اليمنى وستة أشهر على جنوبهم (2) اليسرى والكلب معهم باسط ذراعيه بفناء الكهف وذلك قوله تعالى:
" نحن نقص عليك نبأهم بالحق " إلى آخر الآيات.
أقول: والرواية من أوضح روايات القصة متنا وأسلمها من التشوش وهي مع ذلك تتضمن أن الذين اختلفوا في عددهم فقالوا: ثلاثة أو خمسة أو سبعة هم أهل المدينة الذين اجتمعوا على باب الكهف بعد انتباه الفتية وهو خلاف ظاهر الآية، وتتضمن أن أصحاب الكهف لم يموتوا ثانيا بل عادوا إلى نومتهم وكذلك كلبهم باسطا ذراعيه بالوصيد وان لهم في كل سنه تقلبين من اليمين إلى اليسار وبالعكس وأنهم بعد على هيئتهم. ولا كهف معهودا على وجه الأرض وفيه قوم نيام على هذه الصفة.
على أن في ذيل هذه الرواية. وقد تركنا نقله ههنا لاحتمال أن يكون من كلام القمي أو رواية أخرى - أن قوله تعالى: " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا " من كلام أهل الكتاب، وأن قوله بعده: " قل الله أعلم بما لبثوا " رد له، وقد عرفت في البيان المتقدم أن السياق يدفعه والنظم البليغ لا يقبله.