بصره وسمعه - لتتميم التعليل كأنه قيل: وكيف لا يكون أعلم بلبثهم وهو يملكهم على كونهم من الغيب وقد رأى حالهم وسمع مقالهم.
ومن هنا يظهر أن قول بعضهم: إن اللام في " له غيب " الخ للاختصاص العلمي أي له تعالى ذلك علما، ويلزم منه ثبوت علمه لسائر المخلوقات لان من علم الخفي علم غيره بطريق أولى. انتهى. غير سديد لان ظاهر قوله: " أبصر به واسمع " أنه للتأسيس دون التأكيد، وكذا ظاهر اللام مطلق الملك دون الملك العلمي.
وقوله: " ما لهم من دونه من ولي " الخ المراد بالجملة الأولى منه نفي ولاية غير الله لهم مستقلا بالولاية دون الله، وبالثانية نفى ولاية غيره بمشاركته إياه فيها أي ليس لهم ولى غير الله لا مستقلا بالولاية ولا غير مستقل.
ولا يبعد أن يستفاد من النظم - بالنظر إلى التعبير في الجملة الثانية " ولا يشرك في حكمه أحدا " بالفعل دون الوصف وتعليق نفى الاشراك بالحكم دون الولاية - أن الجملة الأولى تنفي ولاية غيره تعالى لهم سواء كانت بالاستقلال فيستقل بتدبير أمرهم دون الله أو بالشركة بأن يلي بعض أمورهم دون الله، والجملة الثانية تنفي شركة غيره تعالى في الحكم والقضاء في الحكم بأن تكون ولايتهم لله تعالى لكنه وكل عليهم غيره وفوض إليه أمرهم والحكم فيهم كما يفعله الولاة في نصب الحكام والعمال في الشعب المختلفة من أمورهم فيباشر الحكام والعمال من الاحكام ما لا علم به من الولاة.
ويؤول المعنى إلى أنه كيف لا يكون تعالى أعلم بلبثهم وهو تعالى وحده وليهم المباشر للحكم الجاري فيهم وعليهم.
والضمير في قوله: " لهم " لأصحاب الكهف أو لجميع ما في السماوات والأرض المفهوم من الجملة السابقة بتغليب جانب اولي العقل أو لمن في السماوات والأرض والوجوه الثلاثة مترتبة جودة وأجودها أولها.
وعليه فالآية تتضمن حجتين على أن الله أعلم بما لبثوا إحداهما: حجة عامة لهم ولغيرهم وهي قوله: " له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع " فهو أعلم بجميع الأشياء ومنها لبث أصحاب الكهف، وثانيتهما حجة خاصة بهم وهي قوله: " ما لهم "