والاستفهام للتوبيخ يوبخهم الله تعالى على إعراضهم عن دعائه في البر فإنهم لا مؤمن لهم من مهلكات الحوادث في البر كما لا مؤمن لهم حال مس الضر في البحر إذ لا علم لهم بما سيحدث لهم وعليهم فمن الجائز أن يخسف الله بهم جانب البر أو يرسل عليهم ريحا حاصبا فيهلكهم بذلك ثم لا يجدوا لأنفسهم وكيلا يدفع عنهم الشدة والبلاء ويعيد إليهم الامن والسلام.
قوله تعالى: " أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى: إلى آخر الآية القصف الكسر بشدة وقاصف الريح هي التي تكسر السفن والأبنية وقيل: القاصف الريح المهلكة في البحر والتبيع هو التابع يتبع الشئ وضمير " فيه للبحر وضمير " به " للغرق أو للارسال أو لهما معا باعتبار ما وقع ولكل قائل، والآية من تمام التوبيخ.
والمعنى أم هل أمنتم بنجاتكم إلى البر أن يعيدكم الله في البحر تارة أخرى فيرسل عليكم ريحا كاسرة للسفن أو مهلكة فيغرقكم بسبب كفركم ثم لا تجدوا بسبب الاغراق أحدا يتبع الله لكم عليه فيسأله لم فعل هذا بكم؟ ويؤاخذه على ما فعل.
وفي قوله: " ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا " التفات من الغيبة إلى التكلم بالغير وكأن النكتة فيه الظهور على الخصم بالعظمة والكبرياء. وهو المناسب في المقام، وليكون مع ذلك توطئة لما في الآيات التالية من سياق التكلم بالغير.
قوله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " الآية مسوقة للامتنان مشوبا بالعتاب كأنه تعالى لما ذكر وفور نعمه وتواتر فضله ورحمته على الانسان، وحمله في البحر ابتغاء فضله ورزقه، ورفاه حاله في البر ثم نسيانه لربه واعراضه عن دعائه إذا نجاه وكشف ضره كفرانا مع أنه متقلب دائما بين نعمة التي لا تحصى نبه على جملة تكريمه وتفضيله ليعلم بذلك مزيد عنايته بالانسان وكفران الانسان لنعمه على كثرتها وبلوغها.
وبذلك يظهر أن المراد بالآية بيان حال لعامة البشر مع الغض عما يختص به بعضهم من الكرامة الخاصة الإلهية والقرب والفضيلة الروحية المحضة فالكلام يعم المشركين والكفار والفساق والا لم يتم معنى الامتنان والعتاب.