دعاء المسألة وأنهم في البر أي في حالهم العادي غير حال الضر معرضون عنه تعالى لا يدعونه فقوله: " من تدعون " الظاهر في استمرار الدعوة المراد به آلهتهم الذين كانوا يدعونهم فاستثناؤه تعالى استثناء منقطع.
وقوله: " فلما نجاكم إلى البر أعرضتم " أي فلما نجاكم من الغرق وكشف عنكم الضر رادا لكم إلى البر أعرضتم عنه أو عن دعائه وفيه دلالة على أنه تعالى غير مغفول عنه للانسان في حال وأن فطرته تهديه إلى دعائه في الضراء والسراء والشدة والرخاء جميعا فإن الاعراض إنما يتحقق عن أمر ثابت موجود فقوله: إن الانسان يدعوه في الضر ويعرض عنه بعد كشفه في معنى أنه مهدي إليه بالفطرة دائما.
وقوله، " وكان الانسان كفورا: أي إن الكفران من دأب الانسان من حيث إن له الطبيعة الانسانية فإنه يتعلق بالأسباب الظاهرية فينسى مسبب الأسباب فلا يشكره تعالى وهو يتقلب في نعمه الظاهرة والباطنة.
وفى تذييل الكلام بهذه الجملة تنبيه على أن إعراض الانسان عن ربه في غير حال الضر ليس بحال غريزي فطري له حتى يستدل بنسيانه ربه على نفي الربوبية بل هو دأب سئ من الانسان يوقعه فيه كفران النعمة.
وفى الآية حجة على توحده تعالى في ربوبيته ومحصله ان الانسان إذا انقطع عن جميع الأسباب الظاهرية وأيس منها لم ينقطع عن التعلق بالسبب من أصله ولم يبطل منه رجاء النجاة من رأس بل رجى النجاة وتعلق قلبه بسبب ما يقدر على ما لا يقدر عليه سائر الأسباب، ولا معنى لهذا التعلق الفطري لولا أن هناك سببا فوق الأسباب إليه يرجع الامر كله وهو الله سبحانه، وليس يصرف الانسان عنه الا الاشتغال بزخارف الحياة الدنيا والتعلق بالأسباب الظاهرية والغفلة عما وراءها.
قوله تعالى: " أفأمنتم ان يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا " خسوف القمر استتار قرصه بالظلمة والظل وخسف الله به الأرض أي ستره فيها، والحاصب - كما في المجمع - الريح التي ترمي بالحصباء والحصا الصغار وقيل: الحاصب الريح المهلكة في البر والقاصف الريح المهلكة في البحر.