تقدم في تفسير قوله تعالى: " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب " البقرة: 213 أن أول الكتب السماوية المشتملة على الشريعة هو كتاب نوح عليه السلام ولا كتاب قبله في هذا الشأن، وبذلك يظهر عدم صلاحية كون الامام في الآية مرادا به الكتاب وإلا خرج من قبل نوح من شمول الدعوة في الآية.
فالمتعين أن يكون المراد بإمام كل أناس من يأتمون به في سبيلي الحق والباطل كما تقدم أن القرآن يسميهما إمامين أو إمام الحق خاصة وهو الذي يجتبيه الله سبحانه في كل زمان لهداية أهله بأمره نبيا كان كإبراهيم ومحمد عليهما السلام أو غير نبي، وقد تقدم تفصيل الكلام فيه في تفسير قوله: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " البقرة: 124.
لكن المستفاد من مثل قوله في فرعون وهو من أئمة الضلال: " يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار " هود: 98، وقوله: " ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم ": الأنفال: 37 وغيرهما من الآيات وهي، كثيرة أن أهل الضلال لا يفارقون أولياءهم المتبوعين يوم القيامة، ولازم ذلك أن يصاحبوهم في الدعوة والاحضار.
على أن قوله: " بإمامهم مطلق لم يقيد بالامام الحق الذي جعله الله إماما هاديا بأمره، وقد سمى مقتدى الضلال إماما كما سمى مقتدى الهدى إماما وسياق ذيل الآية والآية الثانية أيضا مشعر بأن الامام المدعو به هو الذي اتخذه الناس إماما واقتدوا به في الدنيا لا من اجتباه الله للامامة ونصبه للهداية بأمره سواء اتبعه الناس أو رفضوه.
فالظاهر أن المراد بإمام كل أناس في الآية من ائتموا به سواء كان إمام حق أو إمام باطل، وليس كما يظن أنهم ينادون بأسماء أئمتهم فيقال يا أمة إبراهيم ويا أمة محمد ويا آل فرعون ويا آل فلان فإنه لا يلائمه ما في الآية من التفريع أعنة قوله:
" فمن أوتي كتابه بيمينه " " ومن كان في هذه أعمى " الخ إذ لا تفرع بين الدعوة بالامام بهذا المعنى وبين إعطاء الكتاب باليمين أو العمى.
بل المراد بالدعوة - على ما يعطيه سياق الذيل - هو الاحضار فهم محضرون