فقوله: " ولقد كرمنا بني آدم " المراد بالتكريم تخصيص الشئ بالعناية وتشريفه بما يختص به ولا يوجد في غيره، وبذلك يفترق عن التفضيل فإن التكريم معنى نفسي وهو جعله شريفا ذا كرامة في نفسه، والتفضيل معنى إضافي وهو تخصيصه بزيادة العطاء بالنسبة إلى غيره مع اشتراكهما في أصل العطية والانسان يختص من بين الموجودات الكونية بالعقل ويزيد على غيره في جميع الصفات والأحوال التي توجد بينها والأعمال التي يأتي بها.
وينجلي ذلك بقياس ما يتفنن الانسان به في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه ويأتي به من النظم والتدبير في مجتمعه، ويتوسل إليه من مقاصده باستخدام سائر الموجودات الكونية وقياس ذلك مما لسائر الحيوان والنبات وغيرهما من ذلك فليس عندها من ذلك إلا وجوه من التصرف ساذجة بسيطة أو قريب من البساطة وهي واقفة في موقفها المحفوظ لها يوم خلقت من غير تغير أو تحول محسوس وقد سار الانسان في جميع وجوه حياته الكمالية إلى غايات بعيدة ولا يزال يسعى ويرقي.
وبالجملة بنو آدم مكرمون بما خصهم الله به من بين سائر الموجودات الكونية وهو الذي يمتازون به من غيرهم وهو العقل الذي يعرفون به الحق من الباطل والخير من الشر والنافع من الضار.
وأما ما ذكره المفسرون أو وردت به الرواية أن الذي كرمهم الله به النطق أو تعديل القامة وامتدادها أو الأصابع يفعلون بها ما يشاؤن أو الاكل باليد أو الخط أو حسن الصورة أو التسلط على سائر الخلق وتسخيرهم له أو أن الله خلق أباهم آدم بيده أو أنه جعل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم منهم أو جميع ذلك، وما ذكر منها فإنما ذكر على سبيل التمثيل.
فبعضها مما يتفرع على العقل كالخط والنطق والتسلط على غيره من الخلق وبعضها من مصاديق التفضيل دون التكريم وقد تقدم الفرق بينهما، وبعضها خارج عن مدلول الآية كالتكريم بخلق أبيهم آدم عليه السلام بيده وجعل محمد صلى الله عليه وآله وسلم منهم فإن ذلك من التكريم الأخروي والتشريف المعنوي الخارج عن مدلول الآية كما تقدم.
وبذلك يظهر ما في قول بعضهم: إن التكريم بجميع ذلك وقد أخطأ صاحب