انهم وغيرهم من الصحابة جمعوا جميع القرآن على ما في المصحف العثماني وحفظوا ترتيب سوره وآياته وضبطوا موضع كل واحدة واحدة منها عن آخرها فهذا زيد بن ثابت نفسه وهو أحد الأربعة المذكورين في حديث انس والمتصدي للجمع الأول والثاني كليهما يصرح في رواياته انه لم يحفظ جميع الآيات.
ونظيره ما في الاتقان عن ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال ": مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن.
واما قوله سلمناه ولكن من أين لهم ان الواقع في نفس الامر كذلك؟ فمقلوب على نفسه فمن أين لهذا القائل ان الواقع في نفس الامر كما يدعيه وقد عرفت الشواهد على خلاف ما يدعيه؟
واما قوله انه يكفي في تحقق التواتر ان يحفظ الكل كل القرآن على سبيل التوزيع فمغالطة واضحة لأنه انما يفيد كون مجموع القرآن من حيث المجموع منقولا بالتواتر واما كون كل واحدة واحدة من الآيات القرآنية محفوظة من حيث محلها وموضعها بالتواتر فلا وهو ظاهر ونقل في الاتقان عن البغوي انه قال في شرح السنة الصحابة جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير أن قدموا شيئا أو أخروه أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الان في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك واعلامه عند نزول كل آية ان هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا.
فثبت إن سعى الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فان القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة انتهى ونقل عن ابن الحصار انه قال ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها انما كان بالوحي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين