قلوبهم مائلة إلى الاشتغال بما لا ينفع معه النهى عن تولى آبائهم وإخوانهم الكافرين، وإيجاد الداعي في نفوسهم إلى الصدور عن أمر الله ورسوله، وقتال الكافرين جهادا في سبيل الله وإن كانوا آباءهم وإخوانهم.
والذي يمنعهم من ذلك هو الحب المتعلق بغير الله ورسوله والجهاد في سبيل الله، وقد عد الله سبحانه أصول ما يتعلق به الحب النفساني من زينة الحياة الدنيا، وهى الاباء والأبناء والاخوان والأزواج والعشيرة - وهؤلاء هم الذين يجمعهم المجتمع الطبيعي بقرابة نسبية قريبة أو بعيدة أو سببية - والأموال التي اكتسبوها وجمعوها، والتجارة التي يخشون كسادها والمساكن التي يرضونها - وهذه أصول ما يقوم به المجتمع في المرتبة الثانية -.
وذكر تعالى أنهم إن تولوا أعداء الدين، وقدموا حكم هؤلاء الأمور على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فليتربصوا ولينتظروا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين.
ومن المعلوم أن الشرط أعني قوله: (إن كان آباؤكم) إلى قوله: (في سبيله) في معنى أن يقال: إن لم تنتهوا عما ينهاكم عنه من اتخاذ الاباء والاخوان الكافرين أولياء باتخاذكم سببا يؤدى إلى خلاف ما يدعوكم إليه، وإهمالكم في أمر غرض الدين وهو الجهاد في سبيل الله.
فقوله في الجزاء: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) لا محالة إما أمر يتدارك به ما عرض على الدين من ثلمة وسقوط غرض في ظرف مخالفتهم، وإما عذاب يأتيهم عن مخالفة أمر الله ورسوله والاعراض عن الجهاد في سبيله.
غير أن قوله تعالى في ذيل الآية: (والله لا يهدى القوم الفاسقين) يعرض لهم أنهم خارجون حينئذ عن زي العبودية، فاسقون عن أمر الله ورسوله فهم بمعزل من أن يهديهم الله بأعمالهم ويوفقهم لنصرة الله ورسوله، وإعلاء كلمة الدين وإمحاء آثار الشرك.
فذيل الآية يهدى إلى أن المراد بهذا الامر الذي يأمرهم الله أن يتربصوا له حتى يأتي به أمر منه تعالى، متعلق بنصرة دينه وإعلاء كلمته فينطبق على مثل قوله تعالى