الآية وتكلف في توجيه الفصل الذي في قوله: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة).
ولا دليل من جهة اللفظ على ذلك بل الدليل على خلافه فان قصة حنين وما يشتمل عليه من الامتنان بنصر الله وإنزال السكينة وإنزال الجنود وتعذيب الكافرين والتوبة على من يشاء أمر مستقل في نفسه ذو أهمية في ذاته وهو أهم هدفا من قوله تعالى: (قل ان كان آباؤكم وأبناؤكم) الآية أو هو مثله لا يقصر عنه فلا معنى لاتباعه إياه وعطفه عليه في المعنى.
وحينئذ لو كان مما يجب ان يخاطب به القوم لكان من الواجب ان يقال: (وقل لهم لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) الآية، على ما جرى عليه القرآن في نظائره كقوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد - إلى أن قال - قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) حم السجدة: 9 وغيره من الموارد.
على أن سياق الآيات وما يجب ان تشتمل عليه من الالتفات وغيره - لو كانت الآيات مقولة للقول - لا تلائم كونها مقولة للقول السابق.
والخطاب في قوله: (لقد نصركم الله) وما يتلوه من قوله: (إذ أعجبتكم كثرتكم) الآية، للمسلمين وهم الذين يؤلفون مجتمعا إسلاميا واحدا حضروا بوحدتهم هذه الوحدة أمثال وقائع بدر وأحد والخندق وخيبرا وحنينا وغيرها.
وهؤلاء فيهم المنافقون والضعفاء في الايمان والمؤمنون صدقا على اختلافهم في المنازل إلا أن الخطاب متوجه إلى الجميع باعتبار اشتماله على من يصح ان يخاطب بمثل قوله: (إذ أعجبتكم كثرتكم) إلى آخر الآية.
وقوله: (ويوم حنين) أي ويوما وقعت فيه القتال بينكم ويسن أعدائكم بوادي حنين، وإضافة اليوم إلى أمكنة الوقائع العظيمة شائع في العرف كما يقال: يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق نظير إضافته إلى الجماعة المتلبسين بذلك كيوم الأحزاب ويوم تميم، وإضافته إلى نفس الحادثة كيوم فتح مكة.
وقوله: (إذ أعجبتكم كثرتكم) اي أسرتكم الكثرة التي شاهدتموها في أنفسكم فانقطعتم عن الاعتماد بالله والثقة بأيده وقوته واستندتم إلى الكثرة فرجوتم ان ستدفع عنكم كيد العدو وتهزم جمعهم، وإنما هو سبب من الأسباب الظاهرية