ورواه أيضا ابن أبى شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عبيدة وفيها:
ان العباس قال لعلي: أو لست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقى الحاج وأعمر المسجد الحرام فنزلت هذه الآية.
وعلى أي حال فالواقع في هذه الرواية أيضا المقايسة بين السقاية والعمارة وبين الهجرة وما يترتب عليا مما يستلزمه اللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كالجهاد وغيره من الأعمال الشريفة الدينية.
وأما رواية القرظي وما في معناها كالذي رواه الحاكم وصححه، وما رواه عبد الرزاق عن الحسن قال: نزلت في علي والعباس وعثمان وشيبة (1) تكلموا في ذلك، وكذا رواية النعمان التي تقدمت فكون المنازعة فيها في السقاية والعمارة والايمان والجهاد ظاهر فإذا كان الحال هذا الحال فأي مزية في رواية النعمان بن بشير توجب اختصاصها بموافقة الكتاب من بين سائر الروايات.
وثانيا: ان قوله: إن موضوع المفاضلة هي اعمال البر الهينة المستلذة كالسقاية والحجابة وأعمال البر الشاقة كالايمان والهجرة والجهاد لا يوافق ما يدل عليه الآيات فإنها كما تقدم ظاهرة الدلالة على أن المقايسة كانت بينهم بين أجساد الأعمال الخالية عن روح الايمان وليست من البر حينئذ وبين اعمال حية بولوج روح الايمان فيها كالهجرة والجهاد عن ايمان بالله و اليوم الآخر.
فالآيات تدل على أنهم كانوا يسوون أو يفضلون غير اعمال البر كالسقاية والعمارة من غير ايمان على اعمال البر كالجهاد عن ايمان وهجرة و الهجرة عن ايمان فأين ما ذكره من اعمال البر الهينة قبال اعمال البر الشاقة (2)؟
ودلالة الآيات - بما فيها من القيود المأخوذة - على ذلك بمكان من الظهور والجلاء فقد قيد الجهاد فيها بالايمان بالله واليوم الآخر، وأطلق السقاية و العمارة من غير تقييد بالايمان ثم قال تعالى: (لا يستوون عند الله) ثم زاد: (والله لا يهدى القوم الظالمين)