تنهى عن تولى الجميع غير أن ظاهر لفظ الآية النهى عن اتخاذ الاباء والاخوان أولياء إن استحبوا الكفر ورجحوه على الايمان.
وإنما ذكر الاباء والاخوان دون الأبناء والأزواج مع كون القبيلين وخاصة الأبناء محبوبين عندهم كالاباء والاخوان لان التولي يعطى للولي ان يداخل أمور وليه ويتصرف في بعض شؤون حياته، وهذا هو المحذور الذي يستدعى النهى عن تولى الكفار حتى لا يداخلوا في أمورهم الداخلية ولا يأخذوا بمجامع قلوبهم، ولا يكف المؤمنون ولا يستنكفوا عن الاقدام فيما يسوؤهم ويضرهم، ومن المعلوم ان النساء والذراري لا يترقب منهم هذا الأثر السيئ إلا بواسطة، فلذلك خص النهى عن التولي بالاباء والاخوان فهم الذين يخاف نفوذهم في قلوب المؤمنين وتصرفهم في شؤونهم.
وقد ورد النهى عن اتخاذ الكفار أولياء في مواضع من كلامه تقدم بعضها في سورة المائدة وآل عمران والنساء والأعراف وفيها إنذار شديد وتهديدات بالغة كقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) المائدة: 51، وقوله: (ويحذركم الله نفسه) آل عمران: 28، وقوله: (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ) آل عمران: 28، وقوله: (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) النساء: 144.
وأنذرهم في الآية التي نحن فيها بقوله: (ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) ولم يقل: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) إذ من الجائز ان يتوهم بعض هؤلاء انه منهم لانهم آباؤه وإخوانه فلا يؤثر فيه التهديد أثرا جديدا يبعثه نحو رفض الولاية.
وكيف كان فقوله: (ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) بما في الجملة من المؤكدات كإسمية الجملة، ودخول اللام على الخبر وضمير الفصل يفيد تحقق الظلم منهم واستقراره فيهم، وقد كرر الله في كلامه ان الله لا يهدى القوم الظالمين، وقال في نظير الآية من سورة المائدة: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين) فهؤلاء محرومون من الهداية الإلهية لا ينفعهم شئ من أعمالهم الحسنة في جلب السعادة إليهم، والسماحة بالفوز والفلاح عليهم.
قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم) إلى آخر الآية التفت من مخاطبتهم إلى مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيماء إلى الاعراض عنهم لما يستشعر من حالهم أن