ولذلك اضطر المفسرون إلى القول بأن تقدير الكلام: أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر حتى يستقيم السياق.
وأوجب منه النظر في قيود الكلام المأخوذة في الآية الكريمة فقد أخذ في أحد الجانبين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وحدهما من غير أي قيد زائد، وفي الجانب الاخر الايمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله وإن شئت فقل: الجهاد في سبيل الله مع اعتبار الايمان معه.
وهو يدل على أن المراد السقاية والعمارة خاليتين من الايمان، ويؤيده قوله تعالى في ذيل الآية: (والله لا يهدى القوم الظالمين) على تقدير كونه تعريضا لأهل السقاية والعمارة لا تعريضا لمن يسوى بينهما كما يتبادر من السياق.
وهذا يكشف اولا عن أن هؤلاء الذين كانوا يسوون بين كذا وكذا وبين كذا إنما كانوا يسوون بين عمل جاهلي خال عن الايمان بالله واليوم الآخر كالسقاية والعمارة من غير أن يكون عن إيمان، وبين عمل ديني عن إيمان بالله واليوم الآخر كالجهاد في سبيل الله عن إيمان، أي كانوا يسوون بين جسد عمل لا حياة فيه وبين عمل حي طيب نفعه فأنكره الله عليهم.
وثانيا: أن هؤلاء المسوين كانوا من المؤمنين يسوون بين عمل من غير إيمان، كان صدر عنهم قبل الايمان أو صدر عن مشرك غيرهم، وبين عمل صدر عن مؤمن بالله عن محض الايمان حال إيمانه كما يشهد به سياق الانكار وبيان الدرجات في الآيات.
بل يشعر بل يدل ذكر نفس السقاية والعمارة من غير ذكر صاحبهما على أن صاحبيهما كانا من أهل الايمان عند التسوية فلم يذكرا حفظا لكرامتهما وهما مؤمنان حين الخطاب ووقاية لهما بالنظر إلى التعريض الظاهر الذي في آخر الآية من أن يسميا ظالمين.
بل يدل قوله تعالى في الآية التالية في مقام بيان أجر هؤلاء المجاهدين في سبيل الله عن إيمان: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله) على أن طرفي التسوية في قوله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن) الآية كانا من أهل مكة، وأن أهل أحد الطرفين وهو الذي آمن وجاهد كان ممن أسلم وهاجر، وأهل الطرف الآخر أسلم ولم يهاجر فإن هذا هو الوجه في ذكره تعالى اولا الايمان والجهاد في