فبمشيته وارادته، وان لم يفعل فلم يختره ولم يرده وانما اختار وأراد شيئا آخر، لكنها لا تقع في الخارج الا واجبة لاستنادها حينئذ إلى جميع اجزاء عللها.
فهؤلاء خلطوا في كلامهم بين النسبتين فوضعوا النسبة الوجوبية التي للفعل إلى مجموع اجزاء علتها التامة موضع النسبة الامكانية التي للفعل إلى بعض اجزاء علته التامة وهى التي تسمى في الانسان بالاختيار على نحو من العناية.
وأما ما ذكره المعتزلة انه لو جاز كونه تعالى هو الفاعل للفعل الذي اتى به المؤمنون وهو التعذيب، وليس لهم إلا مقام الالية المحضة من غير تأثير لجاز إسناد تعذيب الكفار للمؤمنين وتكذيبهم للأنبياء ولعنهم المؤمنين أيضا إليه، وهو باطل قطعا فأفعال العباد مخلوقة لهم لا صنع لله تعالى فيها.
ففيه ان الملازمة حقة لكن بطلان التالي لا يستلزم كون الافعال مخلوقة لهم لا نسبة لها إلى الله سبحانه أصلا لجواز كونها منسوبة إليه تعالى بعين ما ينتسب به إليهم فإنهم فاعلون لها وهو فاعل الفاعلين فينتسب إليهم بالصدور عن الفاعل المباشر، و ينتسب إليه بالصدور عن الفاعل الذي هو فاعله والنسبتان في الحقيقة نسبة واحدة مختلفة بالقرب والبعد وانتفاء الواسطة وثبوتها، ولا يستلزم ذلك اجتماع فاعلين مستقلين على فعل واحد لكونهما طوليين لا عرضيين.
فان قلت: فيبقى محذور استناد الحسنات والسيئات والايمان والكفر إليه تعالى في محله.
قلت: كلا وإنما ينتسب إليه أصل وجودها، وأما عنوان الفعل الذي يشير إلى جهة قيام الحركة والسكون بالموضوع المتحرك كالنكاح والزنا والاكل المحرم والمحلل فإنما ينسب إلى الانسان لكونه هو الموضوع المادي الذي يتحرك بهذه الحركات: وأما الذي يوجد هذا المتحرك الذي من جملة آثاره حركته وليس بنفسه متحركا بها وإنما يوجدها إيجادا إذا تمت شرائطها وأسبابها فلا يتصف بأنواع هذه الحركات حتى يتصف بفعل النكاح أو الزنا أو أي فعل قائم بالانسان.
نعم هناك عناوين عامة لا تستتبع معنى الحركة والمادة، لا مانع من إسنادها إلى الانسان واليه سبحانه إذا لم يستلزم محذورا كالهداية والاضلال إذا لم يكن اضلالا ابتدائيا، وكالتعذيب والابتلاء، فقتل المؤمن للكافر تعذيب إلهي للكافر، وقتل