وفيه أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال: قال العباس حين أسر يوم بدر: إن كنتم سبقتمونا بالاسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العاني (1) فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج) الآية، يعنى أن ذلك كان في الشرك فلا أقبل ما كان في الشرك.
وفيه أخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالى أن لا أعمل لله عملا بعد الاسلام إلا أن أسقى الحاج، وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم.
فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك يوم الجمعة، ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج) إلى قوله: (والله لا يهدى القوم الظالمين).
أقول: قال صاحب المنار في تفسيره بعد إيراد هذه الروايات الأربع الأخيرة:
والمعتمد من هذه الروايات حديث النعمان لصحة سنده وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات من كون موضوعها في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجابته - من اعمال البر البدنية الهينة المستلذة - وبين الايمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة، وهى أشق العبادات النفسية البدنية المالية، والآيات تتضمن الرد عليها كلها. انتهى.
اما ما ذكره من رجحان رواية النعمان على غيرها بصحة السند ففيه اولا أن رواية القرظي أيضا في مضمونها موافقة لرواية الحاكم في المستدرك وقد صححها.
وثانيا: ان روايات التفسير إذا كانت آحادا لا حجية لها إلا ما وافق مضامين الآيات بقدر ما يوافقها على ما بين في فن الأصول فإن الحجية الشرعية تدور مدار الآثار الشرعية المترتبة فتنحصر في الأحكام الشرعية واما ما وراءها كالروايات الواردة في القصص والتفسير الخالي عن الحكم الشرعي فلا حجية شرعية فيها.
وأما الحجية العقلية أعني العقلائية فلا مسرح لها بعد توافر الدس والجعل في