فالتلبس بالفعل الواقع مرة أو مرات غير التلبس بالصفة اللازمة فأولئك حصول الاهتداء لهم محقق، وأما حصول صفة المهتدين فهو مرجو التحقق لا محقق.
وقد تحصل من الآية أن عمارة المساجد لا تحق ولا تجوز لغير المسلم أما المشركون فلعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، وأما أهل الكتاب فلان القرآن لا يعد ايمانهم بالله ايمانا قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا) النساء: 151، وقال أيضا في آية 29 من السورة: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب) الآية.
قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) الآية، السقاية كالحكاية والجناية والنكاية مصدر يقال:
سقى يسقى سقاية.
والسقاية أيضا الموضع الذي يسقى فيه الماء، والاناء الذي يسقى به قال تعالى:
(جعل السقاية في رحل أخيه) يوسف: 70، وقد رووا في الآثار ان سقاية الحاج كانت إحدى الشؤونات الفاخرة والماثر التي يباهى بها في الجاهلية، وأن السقاية كانت حياضا من أدم على عهد قصى بن كلاب أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضع بفناء الكعبة، ويستقى فيها الماء العذب من الابار على الإبل، ويسقى الحاج فجعل قصى أمر السقاية عند وفاته لابنه عبد مناف ولم يزل في ولده حتى ورثه العباس بن عبد المطلب.
وسقاية العباس هو الموضع الذي كان يسقى فيه الماء في الجاهلية والاسلام وهو في جهة الجنوب من زمزم بينهما أربعون ذراعا، وقد بنى عليه بناء هو المعروف اليوم بسقاية العباس.
والمراد بالسقاية في الآية - على أي حال - معناها المصدري وهو السقى، ويؤيده مقابلتها في الآية عمارة المسجد الحرام والمراد بها المعنى المصدري قطعا بمعنى الشغل.
وقد قوبل في الآية سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، ولا معنى لدعوى المساواة بين الانسان وبين عمل من الأعمال كالسقاية والعمارة أو نفيها فالمعادلة والمساواة إما بين عمل وعمل أو بين انسان ذي عمل وانسان ذي عمل.