تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٧٦
وإن أريد بالنفس وزوجها في القصة آدم وزوجته كان المراد بشركهما المذكور في الآية أنهما اشتغلا بتربية الولد واهتما في أمره بتدبير الأسباب والعوامل، وصرفهما ذلك عن بعض ما لهما من التوجه إلى ربهما والخلوص في ذلك، ومن الدليل على ذلك قوله تعالى حكاية عنهما: " لنكونن من الشاكرين " وقد تقدم في ى تفسير أوائل هذه السورة في قوله: " ولا تجد أكثرهم شاكرين ر " الآية - 17 أن الشاكرين في عرف القرآن هم المخلصون - بفتح اللام - الذين لا سبيل لإبليس عليهم ولا دبيب للغفلة في قلوبهم فالعتاب المتوجه إليهما في قوله: " فتعالى الله عما يشركون " إنما هو بالشرك بمعنى الاشتغال عن الله بغيره من الأسباب الكونية يوجه خلاف إخلاص القلب له تعالى.
لكن يبقى عليه إتيان قوله: " فتعالى الله عما يشركون " بصيغة الجمع، وتعقيبه بما ظاهره أنه الشرك بمعنى عبادة غير الله.
وربما دفعه بعضهم بأن الآية في التخصيص أولا والتعميم ثانيا عكس قوله تعالى:
" هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة " يونس - 22، حيث خاطب أولا عامتهم بالتسيير ثم خص الكلام براكبي الفلك منهم خاصة، والآية التي نحن فيها تخص أول القصة بادم وزوجته فهما المعنيان بقوله:
" هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها " ثم انقضى حديث آدم وزوجته، وخص بالذكر المشركون من بني آدم الذين سألوا ما سألوا، وجعلوا له شركاء فيما آتاهم أي إن كل اثنين منهم يولدان ولدا هذا حالهما من العهد ثم النقض.
وفيه أن قوله: " هو الذي يسيركم " الآية محفوف بقرينة قطعية تدل على المراد وتزيل اللبس بخلاف التدرج من الخصوص إلى العموم في هذه الآية فإنه موقع في اللبس لا يصار إليه في الكلام البليغ، اللهم إلا أن يجعل قوله: " فتعالى الله عما يشركون " إلى آخر الآيات قرينة على ذلك.
وكيف كان فهذا الوجه كالمأخوذ من الوجهين الأولين بحمل صدر الآية على الوجه الثاني وذيلها على الوجه الأول.
وربما دفع الاعتراض السابق بأن في الكلام حذفا وإيصالا والتقدير: " فلما آتاهما أي آدم وحواء صالحا جعل أولادهما له شركاء " فحذف المضاف وهو الأولاد،
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»
الفهرست