قوله تعالى: " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون " تذكير لهم بسنة الله الجارية في المشركين من الأمم الماضية إذ اتخذوا من دون الله أولياء فأهلكهم الله بعذاب أنزله إليهم ليلا أو نهارا فاعترفوا بظلمهم.
و " البيات " التبييت وهو قصد العدو ليلا، و " القائلون " من القيلولة وهو النوم نصف النهار، وقوله: " بياتا أو هم قائلون " ولم يقل ليلا أو نهارا كأنه للإشارة إلى أخذ العذاب إياهم وهم آخذون في النوم آمنون مما كمن لهم من البأس الإلهي الشديد غافلون مغفلون.
قوله تعالى: " فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين " تتميم للتذكير يبين أن الانسان بوجدانه وسره يشاهد الظلم من نفسه إن اتخذ من دون الله أولياء بالشرك، وأن السنة الإلهية أن يأخذ منه الاعتراف بذلك ببأس العذاب إن لم يعترف به طوعا ولم يخضع لمقام الربوبية فليعترف اختيارا وإلا فسيعترف اضطرارا.
قوله تعالى: " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " دل البيان السابق على أنهم مكلفون بتوحيد الله سبحانه موظفون برفض الأولياء من دونه غير مخلين وما فعلوا، ولا متروكون وما شاؤوا، فإذا كان كذلك فهم مسؤولون عما أمروا به من الايمان والعمل الصالح، وما كلفوا به من القول الحق، والفعل الحق وهذا الامر والتكليف قائم بطرفين: الرسول الذي جاءهم به والقوم الذين جاءهم، ولهذا فرع على ما تقدم من حديث إهلاك القرى وأخذ الاعتراف منهم بالظلم قوله: " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ".
وقد ظهر بذلك أن المراد بالذين أرسل إليهم الناس وبالمرسلين الأنبياء والرسل عليهم السلام، وما قيل: أن المراد بالذين أرسل إليهم الأنبياء، وبالمرسلين الملائكة لا يلائم السياق إذ لا وجه لاخراج المشركين عن شمول السؤال والكلام فيهم.
على أن الآية التالية لا تلائم ذلك أيضا. على أن الملائكة لم يدخلوا في البيان السابق بوجه لا بالذات ولا بالتبع.
قوله تعالى: " فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " دل البيان السابق على أنهم مربوبون مدبرون فسيسألون عن أعمالهم ليجزوا بما عملوا، وهذا إنما يتم فيما إذا كان