تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٥٦
رأسهم حقيقة ولا نسمي جزء الهيئة المؤتلفة عضوا لأنه يد أو رجل أو كبد أو رئة حقيقة بل لان يتصدى من الأمور المقصودة في هذا التشكيل والاجتماع ما يتصداه عضو من الأعضاء الموجودة في بدن الانسان مثلا.
وهذا هو الذي يسميه الله تعالى لعبا ولهوا إذ يقول: " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب " العنكبوت: 64، فالمقاصد الدنيوية من زينة ومال وأولاد وتقدم ورئاسة وحكومة وأمثالها ليست إلا عناوين وهمية لا تحقق لها إلا في الأوهام، وليس الاشتغال بها لغير المقاصد الأخروية إلا اشتغالا بأمور وهمية وصور خيالية، ولا المسابقة في تحصيلها إلا كمسابقة الأطفال في تحصيل التقدم في الملاعب التي يشتغلون بها، وليس إلا تحصيل حالة خيالية ليس منها في خارجه عين ولا أثر.
وحاشا لله سبحانه أن يذم هذه الحياة الفانية الغارة، ويسميها لعبا لما تشتمل عليه من الشؤون الوهمية ثم يكون تعالى وتقدس أول اللاعبين!.
وبالجملة قوله تعالى: " ثم استوى على العرش " في عين أنه تمثيل يبين به أن له إحاطة تدبيرية لملكه يدل على أن هناك مرحلة حقيقية هي المقام الذي يجتمع فيه جميع أزمة الأمور على كثرتها واختلافها، ويدل عليه آيات أخر تذكر العرش وحده وينسبه إليه تعالى كقوله تعالى: " وهو رب العرش العظيم " التوبة: 129، وقوله: " الذين يحملون العرش ومن حوله " المؤمن: 7، وقوله: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " الحاقة: 17:، وقوله: " حافين من حول العرش " الزمر: 75.
فالآيات - كما ترى - تدل بظاهرها على أن العرش حقيقة من الحقائق العينية وأمر من الأمور الخارجية ولذلك نقول: إن للعرش في قوله: " ثم استوى على العرش " مصداقا خارجيا، ولم يوضع في الكلام لمجرد تتميم المثل كما نقوله في أمثال كثيرة مضروبة في القرآن فلا نقول في مثل آية النور مثلا: أن في الوجود زجاجة إلهية أو شجرة زيتونة إلهية أو زيتا إلهيا، ونقول: أن في الوجود عرشا إلهيا، أو لوحا وقلما إلهيين وكتابا مكتوبا فافهم ذلك.
وهذا العرش الذي يستفاد من مثل قوله: " ثم استوى على العرش أنه مقام في الوجود يجتمع فيه أزمة الحوادث والأمور كما يجتمع أزمه المملكة في عرش الملك على
(١٥٦)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست