تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٥٨
وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " الشورى: 31.
فقوله: " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " يدل على أن شفاعة الشفاعة أو الأسباب المخالفة التي تحول بين التدبير الإلهي وبين مقتضياته داخلة من جهة أخرى وهي جهة الاذن في التدبير الإلهي فافهم ذلك.
فما مثل الأسباب والعوامل المتخالفة المتزاحمة في الوجود إلا كمثل كفتي الميزان تتعاركان بالارتفاع والانخفاض، والثقل والخفة لكن اختلافهما بعينه اتفاق منهما في إعانة صاحب الميزان في تشخيص ما يريد تشخيصه من الوزن.
ويقرب من آية سورة يونس في الدلالة على شمول التدبير ونفي مدبر غيره تعالى قوله: " ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أ فلا تتذكرون " السجدة : 4، ويقرب من قوله: " ثم استوى على العرش يدبر الامر " في الإشارة إلى كون العرش مقاما تنتشئ فيه التدابير العامة وتصدر عنه الأوامر التكوينية قوله تعالى:
" ذو العرش المجيد فعال لما يريد " البروج: 16، وهو ظاهر.
وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: " وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق " الزمر: 75، فإن الملائكة هم الوسائط الحاملون لحكمه والمجرون لامره العاملون بتدبيره فليكونوا حافين حول عرشه.
وكذا قوله تعالى: " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا " المؤمن: 7، وفي الآية مضافا إلى ذكر احتفافهم بالعرش شئ آخر وهو أن هناك حملة يحملون العرش، وهم لا محالة أشخاص يقوم بهم هذا المقام الرفيع والخلق العظيم الذي هو مركز التدابير الإلهية ومصدرها، ويؤيد ذلك ما في آية أخرى وهي قوله: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " الحاقة: 17،.
وإذ كان العرش هو المقام الذي يرجع إليه جميع أزمة التدابير الإلهية والاحكام الربوبية الجارية في العالم كما سمعت، كان فيه صور جميع الوقائع بنحو الاجمال حاضرة عند الله معلومة له، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: " ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير " الحديد: 4، فقوله: " يعلم ما يلج " الخ، يجري مجرى التفسير للاستواء
(١٥٨)
مفاتيح البحث: سورة يونس (1)، الشفاعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست