تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٤٩
التمتع بالنتائج فاختص كل بشئ منها على قدر زنته الاجتماعية.
كان من الواجب أن تحفظ هذه الوحدة والاتصال المتكون بالاجتماع بمن يقوم عليها فإن التجربة القطعية أوضحت للانسان أن العوامل المختلفة والأعمال والإرادات المتشتتة إذا وجهت نحو غرض واحد وسيرت في مسير واحد لم تدم على نعت الاتحاد والملاءمة إلا أن تجمع أزمه الأمور المختلفة في زمام واحد وتوضع في يد من يحفظه ويديم حياته بالتدبير الحسن فتحيى به الجميع وإلا فسرعان ما تتلاشى وتتشتت.
ولذلك ترى أن المجتمع المترقي ينوع الأعمال الجزئية نوعا نوعا ثم يقدم زمام كل نوع إلى كرسي من الكراسي كالدوائر والمصالح الجزئية المحلية، ثم ينوع أزمه الكراسي فيعطي كل نوع كرسيا فوق ذلك، وعلى هذا القياس حتى ينتهي الامر إلى زمام واحد يقدم إلى العرش ويهدي لصاحب العرش.
ومن عجيب أمر هذا الزمام وانبساطه وسعته في عين وحدته أن الامر الواحد الصادر من هذا المقام يسير في منازل الكراسي التابعه له على كثرتها واختلاف مراتبها فيتشكل في كل منزل بشكل يلائمه ويعرف فيه، ويتصور لصاحبه بصورة ينتفع بها ويأخذها ملاكا لعمله. يقول مصدر الامر " ليجر الامر " فتأخذه المصالح المالية تكليفا ماليا ومصالح السياسية تكليفا سياسيا، ومصالح الجيش تكليفا دفاعيا وعلى هذا القياس كلما صعد أو نزل.
فجميع تفاصيل الأعمال والإرادات والاحكام المجراة فيها المنبسطة في المملكة وهي لا تحصى كثرة أو لا تتناهى لا تزال تتوحد وتجتمع في الكراسي حتى تنتهي إلى العرش فتتراكم عنده بعضها على بعض وتندمج وتتداخل وتتوحد حتى تصير واحدا هو في وحدته كل التفاصيل فيما دون العرش، وإذا سار هذا الواحد إلى ما دون ه لم يزل يتكثر ويتفصل حتى ينتهي إلى أعمال أشخاص المجتمع وإراداتهم.
هذا في النظام الوضعي الاعتباري الذي عندنا، وهو لا محالة مأخوذ من نظام التكوين، والباحث عن النظام الكوني يجد أن الامر فيه على هذه الشاكلة، فالحوادث الجزئية تنتهي إلى علل وأسباب جزئية، وتنتهي هي إلى أسباب أخرى كلية حتى تنتهي الجميع إلى الله سبحانه غير أن الله سبحانه مع كل شئ وهو محيط بكل شي، وليس
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست