أن يكون هذا هو الأصل في معنى اللفظ ثم يستعمل الامر اسم مصدر بمعنى نتيجة الامر وهو النظم المستقر في جميع أفعال المأمور المنبسط على مظاهر حياته، فينطبق في الانسان على شأنه في الحياة ثم يتوسع فيه فيستعمل بمعنى الشأن في كل شئ فأمر كل شئ هو الشأن الذي يصلح له وجوده، وينظم له تفاريق حركاته وسكناته وشتى أعماله وإراداته، يقال أمر العبد إلى مولاه، أي هو يدبر حياته ومعاشه، وأمر المال إلى مالكه، وأمر الانسان إلى ربه أي بيده تدبيره في مسير حياته.
ولا يرد عليه أن الامر بمعنى الشأن يجمع على " أمور " وبمعنى يقابل النهي على " أوامر " وهو ينافي رجوع أحدهما إلى الآخر معنى!، فإن أمثال هذه التفننات كثيرة في اللغة يعثر عليها المتتبع الناقد فالامر كالمتوسط بين من يملكه وبين من يملك منه كالمولى والعبد ويضاف إلى كل منهما يقال: أمر العبد وأمر المولى، قال تعالى: " وأمره إلى الله " البقرة: 275، وقال: " أتى أمر الله " النحل: 1.
وقد فسر سبحانه أمره الذي يملكه من الأشياء بقوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " يس: 83، فبين أن أمره الذي يملكه من كل شئ سواء كان ذاتا أو صفه أو فعلا وأثرا هو قول كن وكلمة الايجاد وهو الوجود الذي يفيضه عليه فيوجد هو به، فإذا قال لشئ: كن فكان، فقد أفاض عليه ما وجد به من الوجود، وهذا الوجود الموهوب له نسبة إلى الله سبحانه وهو بذاك الاعتبار أمره تعالى وكلمة " كن " الإلهية، وله نسبة إلى الشئ الموجود، وهو بذاك الاعتبار أمره الراجع إلى ربه، وقد عبر عنه في الآية بقوله " فيكون ".
وقد ذكر تعالى لكل من النسبتين - وإن شئت فقل: للايجاد المنسوب إليه تعالى وللوجود المنسوب إلى الشئ - نعوتا وأحكاما مختلفة سنبحث عنها إن شاء الله في محل يناسبه.
والحاصل: أن الامر هو الايجاد سواء تعلق بذات الشئ أو بنظام صفاته وأفعاله فأمر ذوات الأشياء إلى الله وأمر نظام وجودها إلى الله لأنها لا تملك لنفسها شيئا البتة، والخلق هو الايجاد عن تقدير وتأليف سواء كان ذلك بنحو ضم شئ إلى شئ كضم أجزاء النطفة بعضها إلى بعض وضم نطفة الذكور إلى نطفة الإناث ثم ضم الاجزاء الغذائية إليها في شرائط خاصة حتى يخلق بدن انسان مثلا، أم من غير أجزاء مؤلفة كتقدير ذات