واشتبه على بعض الناس فظن أن الحكمة العملية المذكورة ههنا هي بعينها ما هو قسيم الحكمة النظرية حيث يقال إن الحكمة إما نظرية واما عملية وذلك الظن فاسد كما أشرنا إليه فان هذه الحكمة العملية خلق نفساني يصدر منه الافعال المتوسطة بين أفعال الجزبرة والغباوة واما إذا قالوا الحكمة منها ما هو نظري ومنها ما هو عملي لم يريدوا به الخلق لان ذلك ليس جزء من الفلسفة بل التي هي إحدى الفلسفتين أرادوا بها معرفة الانسان بالملكات الخلقية انها كم هي وما هي وما الفاضل منها وما الردى منها ومعرفة كيفية تحصيلها واكتسابها للنفس وازالتها واخراجها عن النفس ومعرفة السياسات المدنية والمنزلية وبالجملة معرفة الأمور التي لنا مدخلية في ادخالها في الوجود واخراجها عن الوجود بوجه وهذه المعرفة ليست غريزية بل متى حصلنا كانت حاصلة لنا من حيث هي معرفة وان لم نفعل فعلا ولم نتخلق بخلق فلا يكون أفعال الحكمة العملية الأخرى موجودة لنا وبالجملة ان الحكمة العملية قد يراد بها نفس الخلق وقد يراد بها العلم بالخلق وقد يراد بها الافعال الصادرة عن الخلق فالحكمة العملية التي جعلت قسيمة للحكمة العلمية النظرية هي العلم بالخلق مطلقا وما يصدر منه وافراطه أيضا فضيلة والحكمة العملية التي جعلت إحدى الفضايل كالشجاعة والعفة هي نفس الخلق المخصوص المباين لساير الأخلاق وافراطه كتفريطه رذيلة فظهر الفرق بين البابين انتهى أقول ولكون الحكمة التي إحدى الفضايل الأربع من العمليات وفيها قد اشتهر ان خير الأمور أوسطها كان المتوسط فضيلة ولكون الحكمة العملية التي هي قسيمة للنظرية من باب العلم وفى العلم قال علي (ع) الشئ يعز حيث يندر والعلم يعز حيث يعزز كان الافراط فيها فضيلة واما الاثنان اللذان من حيث الاخلال بالعلم فهما الجهل البسيط والجهل المركب وكما أن أشد النجاسات البدنية هو الكفر ولا سيما كفر النفاق كذلك شر النجاسات الروحية النفسية هو الجهل فان الجاهل ابعد الخلق من الله كما أن العالم العارف اقربهم إليه ولذا ورد ان الله تعالى لم يتخذ وليا جاهلا وان الجاهل على كل حال في خسران يعنى ان عمله وبال عليه ان صلى فله الويل وان لم يصل فله الويل فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون وكذا صام أو لم يصم أنفق أولم ينفق كر نماز وروزه ميفر مايدت نفس مكار است فكرى بايدت فكما ان العلم أم الفضايل فالجهل أم الرذايل ولا سيما الجهل المركب ولذا قال الحكما ان عذاب الجهل المركب أشد أنواع العذاب وسموه الداء المعضل الذي أعيا أطباء النفوس عن معالجته واما المطهر فواحد وهو علم التوحيد فان العمل أيضا وسيلة له وراجع إليه ولذا كان اخر مراتب العمل بعد التجلية والتخلية والتحلية الفنا ويقال في تفسيره انه شهود كل وجود وكل كمال وجود في وجود الحق
(٩٧)