العقل العملي بناء على أن فيها مصالح العامة ومفاسدها وجعل الحكماء إياها من المقبولات العامة ليس للغرض منه الا لتمثيل للمصلحة أو المفسدة العامتين المعتبر فيه قبول عموم الناس لا طايفة مخصوص وهذا غير مناف لبداهتها إذا القضية الواحدة يمكن ان تدخل في اليقينيات والمقبولات من جهتين فيمكن اعتبارها في البرهان والجدل باعتبارين ثم إن الحق في النزاع الثاني من الذاتية وغيرها قول الجبائي من كون الحسن والقبح لوجوه واعتبارات وإضافات كما اختاره الشيخ المحقق البهائي العاملي قدس سره العزيز في زبدة الأصول وحواشيه إذ لو كانا ذاتيين لما اختلفا سواء استند إلى نفس الذات أو إلى صفة لازمة لها والتالي باطل فان الكذب قد يحسن والصدق قد يقبح وذلك إذا تضمن الكذب ايقاذ النبي من الهلاك والصدق اهلاكه وقولهم إن الكذب في الصورة المذكورة باق على قبحه وكذا الصدق على حسنه الا ان ترك انجاد النبي أقبح منه فيلزم ارتكاب أقل القبيحين تخلصا عن ارتكاب الأقبح قبيح إذ الكذب ها هنا واجب لتخليص النبي صلى الله عليه وآله وكل واجب لا بد له من جهة محسنة فإن كان حسنا بالنسبة إلى التخليص فآل الامر إلى الوجوه والاعتبارات وأيضا لو كانا ذاتيين لزم اجتماع النقيضين فان من قال اكذب غدا لو صدق في أحد كلاميه اليومي والغدي لكان حسنا لصدقه وقبيحا لاستلزامه الكذب وليت شعري كيف يكونان ذاتيين للمهيات وهي تعقل بدونهما فان المهية من حيث هي ليست الا هي أو للوجود ولا اسم ولا رسم لحقيقته ولعل مرادهم بالذاتي ما يقابل الغريب كما هو المستعمل في قولهم العرض الذاتي للموضوع ما يلحقه لذاته لا ما هو المستعمل في باب الكليات الخمس وليسا ذاتيين بهذا المعنى أيضا كما لا يخفى ويمكن التوفيق بين الرأيين بكونهما ذاتيين للأفعال مع الاعتبارات والإضافات كما في لطمة اليتيم مع حيثية التأديب أو مع حيثية العدوان وشرب الخمر مع التداوي أو التشهي وظهر من نفى القول بالذاتية حال الباقي وملاك الامر عند الأشاعرة في القول بالشرعية قولهم بالجبر وان العبد مضطر في فعله والافعال الاضطرارية لا توصف بالحسن والقبح عند العقل وسيأتى الكلام فيه عن قريب وان اختلج بوهمك الجمع بين المذهبين بان مراد من نفى عقليتهما ان العقل الجزئي لا يفهم الحسن والقبح أو جهتيهما بل الشرع أي العقل الكلى يدرك الكل فأزحه بما تلونا عليك ان مدرك العقل الجزئي بالضرورة أو بالنظر الصحيح مطابق لنفس الامر والمتكفل لإبانة صحته وسقمه هو علم الميزان وأيضا الأشعري يصرح بنفي الجهة المحسنة والمقبحة وبجواز ان يأمر الشارع بما نهى عنه أو نهى عما أمر به في شئ واحد بشخصه ووقت واحد بعينه وأنت قد ذكرت ان هنا جهة محسنة أو مقبحة ولكن لا يدركهما عقولنا فأين هذا من ذاك وبالجملة هذه مسألة عظيمة معركة للآراء يبتنى عليها
(١٠٨)