التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٥٨٠
الصمد " الذي " لم يلد ولم يولد "، " علم الغيب والشهدة الكبير المتعال " (1)، " ولم يكن له كفوا أحد " (2).
قال الراوي: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: قدم وفد من فلسطين على الباقر (عليه السلام) فسألوه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه، " الصمد ": خمسة أحرف: ف‍ " الألف " دليل على إنيته، وهو قوله عز وجل: " شهد الله أنه لا إلا إله إلا هو " (3) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، و " اللام ": دليل على إلهيته بأنه هو الله، و " الألف واللام " مدغمان كما لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع، ويظهران في الكتابة، دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية، لا تدرك بالحواس، ولا تقع في لسان واصف، ولا اذن سامع، لأن تفسير الإله هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع الأوهام، وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله تعالى أظهر ربوبيته في إبداع الخلق، وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن " لام " الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من حواسه الخمس، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفى ولطف، فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته أله فيه وتحير، ولم تحط فكرته بشئ يتصور له لأنه عز وجل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم، ومركب أرواحهم في أجسادهم، وأما " الصاد " فدليل على أنه عز وجل صادق، وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق، ووعد بالصدق دار الصدق، وأما " الميم " فدليل على ملكه، وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه، وأما " الدال " فدليل على دوام ملكه، وأنه عز وجل دائم تعالى عن الكون والزوال، بل هو عز وجل مكون الكائنات الذي كأن بتكوينه كل كائن، ثم قال (عليه السلام): لو وجدت لعلمي الذي أتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد، والإسلام، والإيمان، والدين، والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء، ويقول على

١ - الرعد: ٩.
٢ - التوحيد: ص ٩٠ - ٩١، ح ٥، باب ٤ - معنى " قل هو الله أحد ".
٣ - آل عمران: ١٨.
(٥٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 ... » »»