التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٢٦٥
والقمي: عن ابن عباس أنه قيل له: إن قوما من هذه الأمة يزعمون أن العبد قد يذنب الذنب فيحرم به الرزق، فقال ابن عباس: فوالذي لا إله غيره لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية، ذكره الله في سورة " ن والقلم " إن شيخا كانت له جنة وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه، فلما قبض الشيخ ورثه بنوه، وكان له خمس من البنين، فحملت جنته في تلك السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملت قبل ذلك، فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل، لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم، فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف فهلموا فلنتعاقد عهدا فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة، فرضي بذلك أربعة وسخط الخامس وهو الذي قال الله: " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون "، فقيل: يا بن عباس كان أوسطهم في السن؟ فقال: لا بل كان أصغر القوم سنا، وكان أكبرهم عقلا، وأوسط القوم خير القوم، قال الله: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " (1)، فقال لهم أوسطهم: اتقوا الله، وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به فضربوه ضربا مبرما، فلما أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم غير طائع، فراحوا إلى منازلهم، ثم حلفوا بالله أن يصرموا إذا أصبحوا ولم يقولوا إن شاء الله، فابتلاهم الله بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه، فأخبر عنهم في الكتاب وقال: " إنا بلوناهم كما بلونا أصحب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم "، قال: كالمحترق، فقيل لابن عباس: ما الصريم؟ قال: الليل المظلم، ثم قال: لا ضوء به ولا نور، فلما أصبح القوم " فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين " قال: " فانطلقوا وهم يتخافتون "، قيل: وما التخافت يا بن عباس؟ قال: يتسارون، يسار بعضهم بعضا لكيلا يسمع أحد غيرهم، فقالوا: " لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد قدرين " وفي أنفسهم أن يصرموها ولا يعلمون ما قد حل بهم من سطوات الله

(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»