فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين 54 * (فاستخف قومه) *: استخف أحلامهم أو طلب منهم الخفة في مطاوعته ودعاهم.
* (فأطاعوه) *: فيما أمرهم به.
* (إنهم كانوا قوما فاسقين) *: فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.
في نهج البلاغة: ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون (عليهما السلام) على فرعون وعليهما مدارع الصوف وبأيديهما العصا فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه، فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل فهلا ألقي عليهما أساور من ذهب إعظاما للذهب وجمعه، واحتقارا للصوف ولبسه، ولو أراد الله سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان، ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء، ووحوش الأرضين لفعل، ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء، واضمحلت الأنباء، ولما وجب للقائلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها، ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوه في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين، من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب، والعيون غنى وخصاصة تملأ الأبصار، والأسماع أذى ولو كانت الأنبياء (عليهم السلام) أهل قوة لا ترام، وعزة لا تضام، وملك تمد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، وأبعد لهم من الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مايلة بهم، وكانت السيئات مشتركة، والحسنات مقتسمة ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الإتباع لرسله، والتصديق بكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أمورا له خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة، وكل ما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل (1).