فيزيدهم ذلك جرأة فالحق بالمدينة فثبطهم (1) ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال بئس الرأي رأيكم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلا شريد (2) فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت (3) منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فإنه رجع وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال وقال حسبنا الله ونعم الوكيل فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصحابه حتى وافى بدر الصغرى وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة فسماهم أهل مكة جيش السويق ويقولون إنما خرجتم تشربون السويق ولم يلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ووافوا السوق وكانت لهم تجارات فباعوا وأصابت الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
(174) فانقلبوا فرجعوا من بدر بنعمة من الله عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه وفضل وربح في التجارة لم يمسسهم سوء من جراحة وكيد عدو واتبعوا رضوان الله بجرأتهم وخروجهم والله ذو فضل عظيم قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين واظهار الجرأة على العدو وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم وإصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة منه وفضل وفيه تحسير وتخطئة للمتخلف حيث حرم نفسه ما فازوا به.
(175) إنما ذلكم الشيطان يعني به المثبط وهو نعيم يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج مع الرسول فلا تخافوهم وخافون في مخالفة أمري إن كنتم مؤمنين فان الإيمان يقتضي ايثار خوف الله على خوف الناس.