فإن بين نفى معلومه ونفى تعلقه بوجوده تلازما سوغ التعبير المذكور، ولكن المعلوم أن فرعون كان يدعى الإلهية ويعامل علمه معاملة علم الله تعالى في أنه لا يعزب عنه شئ، فمن ثم طغى وتكبر وعبر بنفي علمه عن نفى المعلوم تدليسا على ملئه وتلبيسا على عقولهم السخيفة والله أعلم. ويناسب تعاظمه هذا قوله - فأوقد لي يا هامان على الطين - ولم يقل فاطبخ لي آجرا، وذلك من التعاظم كما قال تعالى وله العظمة والكبرياء ومن ارتدى بردائهما قصمه - ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية - فذكر هذه العبارة الجامعة لأنواع الكفر على وجه الكبرياء تهاونا بها، وذلك من تجبر الملوك جل الله وعز، ومن تعاظم فرعون أيضا نداؤه لو زيره باسمه وبحرف النداء وتوسيط ندائه خلال الأمر وبناؤه الصرح ورجاؤه الاطلاع دليل على أنه لم يكن مصمما على الجحود. قال الزمخشري: وذلك مناقض لما أظهر من الجحد الجازم في قوله - ما علمت لكم من إله غيري - فإما أن يخفى هذا التناقض على قومه لغباوتهم وكآبة أذهانهم وإما أن يتفطنوا لها ويخافوا نقمته فيصروا. قال أحمد: ولقائل والله أعلم أن يحمل قوله - ما علمت لكم من إله
(١٧٩)