الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ١٨٢
قوله تعالى (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) قال (لولا الأوللى امتناعية والثانية تحضيضية والفاء الأولى عاطفة والثانية جواب لولا، والمعنى لولا أنهم قائلون إذا عوقبوا لولا أرسلت إلينا رسولا محتجين بذلك لما أرسلت إليهم أحدا. فإن قلت:
كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة سببا في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟
قلت: العقوبة سبب القول وهى سبب السبب فجعلت سببا، وعطف السبب الأصلي عليها بالفاء السببية) قال أحمد: وذلك مثل قوله تعالى - أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى - والسر في جعل سبب السبب سببا وعطف السبب الأصلي عليه أمران: أحدهما أن مزيد العناية يوجب التقديم وهذا هو السر الذي أبداه سيبويه.
الثاني أن في هذا النظم تنبيها على سببية كل واحد منهما، أما الأول فلاقترانه بحرف التعليل وهو أن، وأما الثاني فلاقترانه بفاء السبب، ولا يتعاطى هذا المعنى إلا من قولك - أن تضل إحداهما فتذكر - لا من قول القائل: أن تذكر إحداهما الأخرى إذا ضلت. وكان بعض النحاة يورد هذه الآية إشكالا على النحاة وعلى أهل السنة من المتكلمين فيقول: لولا عند أهل الفن تدل على امتناع جوابها لوجود ما بعدها، وحينئذ يكون الواقع بعدها في الآية موجودا وهو عقوبة هؤلاء المذكورين بتقدير عدم بعثة الرسل، وجوابها المحذوف غير واقع وهو عدم الإرسال لأنه ممتنع بالأولى، ومتى لم يقع عدم الإرسال كان الإرسال واقعا ضرورة فيشكل الواقع بعدها على أهل السنة لأنهم يقولون: لا ظلم قبل بعثة الرسل، فلا تتصور العقوبة بتقدير عدم البعثة، وذلك لأنها واقعة جزاء على مخالفة أحكام الشرع، فإن لم يكن شرع فلا مخالفة ولا عقوبة. ويشكل الجواب على النحاة لأنه يلزم أن لا يكون واقعا وهو عدم بعثة الرسل، لكن الواقع بعدها يقتضى وقوعه، ثم كان مورد هذا الإشكال يجيب
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 186 187 193 194 ... » »»