والحاصل أنها لما كانت هي المأمور بها والمخضوض عليها عوملت معاملة ما هو مراد وإن لم تكن مرادة من كثير من الخلق. وقال لي بعضهم: ما يمنعك أن تقول لم يفهم كون العاقبة المطلقة هي عاقبة الخير من إطلاقها ولكن من إضافتها إلى ذويها باللام في الآي المذكورة كقوله - من تكون له عاقبة الدار - وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار - والعاقبة للمتقين - فأفهمت اللام أنها عاقبة الخير إذ هي لهم، وعاقبة السوء عليهم لالهم كما يقولون الدائرة لفلان: يعنون دائرة الظفر والنصر، والدائرة على فلان: يعنون دائرة الخذلان والسوء، فقلت: لقد كان لي في ذلك مقال لولا ورود - أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار - ولم يقل عليهم، فاستعمال اللام مكان على دليل على إيفاء الاستدلال باللام على إرادة عاقبة الخير، والله أعلم.
قوله تعالى (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) الآية، قال (عبر عن نفى المعلوم بنفي العلم، وإنما كان كذلك لأن العلم لا يتعلق بالمعلوم إلا على ما هو عليه إن موجودا فموجود وإن معدوما فمعدوم، فمن ثم عبر عن نفى كونه موجودا بنفي كونه معلوما) قال أحمد: لشدة ما بلغ منه الوهم لم يتأمل كيف سقط السهم، وإنما أتى من حيث إن الله تعالى عبر كثيرا عن نفى المعلوم بنفي العلم في مثل قوله - قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض - أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض - فلما أطرد ذلك عنده توهم أن هذا التعبير عن نفى المعلوم بنفي العلم يشمل كل علم ولو لم يتعلق بالمعلوم على ما هو به، وليس هو كذلك بل هذا التعبير لا يسوغ إلا في علم الله تعالى لأمر يخص العلم القديم وهو عموم تعلقه حتى لا يعزب عنه أمر، فما لم يتعلق العلم بوجوده يلزم أن لا يكون موجودا، إذ لو كان موجودا لتعلق به، بخلاف علم الخلق فلا تلازم بين نفى الشئ ونفى العلم الحادث بوجوده، ولا كذلك العلم القديم