الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ١١٧
قوله تعالى (حكاية عن إبراهيم عليه السلام: وإذا مرضت فهو يشفين) قال (إنما أضاف المرض إلى نفسه لأن كثيرا منه بتفريط الإنسان في مطعمه ومشربه) قال أحمد: والذي ذكره غير الزمخشري أن السر في إضافة المرض إلى نفسه التأدب مع الله تعالى بتخصيصه بنسبة الشفاء الذي هو نعمة ظاهرة إليه تعالى، ولعل الزمخشري إنما عدل عن هذا لأن إبراهيم عليه السلام قد أضاف الإماتة إلى الله تعالى وهى أشد من المرض فلم يثبت عنده المعنى المذكور ولكن المعنى الذي أبداه الزمخشري أيضا في المرض ينكسر بالموت، فإن المرض كما يكون بسبب تفريط الإنسان في نفسه كذلك الموت الناشئ عن سبب هذا المرض الذي يكون بتفريط الإنسان وقد أضافه إلى الله تعالى. ويمكن أن يفرق بين نسبة الموت ونسبة المرض في مقتضى الأدب بأن الموت قد علم واشتهر أنه قضاء محتوم من الله تعالى على سائر البشر وحكم عام لا يخص ولا كذلك المرض، فكم من معافى منه قد بغته الموت، فالتأسي بعموم الموت لعلة يسقط أثر كونه بلاء فيسوغ في الأدب نسبته إلى الله تعالى، وأما المرض فلما كان مما يخص به بعض البشر دون بعض كان بلاء محققا فاقتضى العلو في الأدب مع الله تعالى أن ينسبه الإنسان إلى نفسه باعتبار ذلك السبب الذي لا يخلو منه، ويؤيد ذلك أن كل ما ذكره مع المرض أخبر عن وقوعه بتا وجزما لأنه أمر لا بد منه، وأما المرض فلما كان قد يتفق وقد لا أورده مقرونا بشرط إذا فقال - وإذا مرضت - وكان ممكنا أن يقول: والذي يمرضني فيشفيني كما قال في غيره، فما عدل عن المطابقة المجانسة المأثورة إلا لذلك، والله أعلم.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 110 111 112 114 117 119 120 121 122 124 ... » »»