الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ١١١
الكاذبين ومراده إظهاره الضلالات، وقد اندرج ذلك لكونه ممكنا تحت سطوة القدرة حقا بينا ثم لم يلزم من ذلك لله الحمد خرم في الدين. فإن توهم ناظر بعين الهوى والغرض معنون عما في قلبه من مرض أن ذلك يجر إلى عدم الوثوق بمعجزات الأنبياء حيث كان على يد غيرهم من الكذابين الأشقياء. قيل معاذ الله أن نأخذ ذلك بنفس مطمئنة بصدق الأنبياء آمنة بحصول العلم لها من وقوع ما جوزه العقل، ولو قدح الإمكان العقلي في علم حاصل يقيني للزم الآن الشك في أن جبال الأرض قد عادت تبرا أحمر وترابها مسكا أذفر وتقلبت البحار دما عبيطا لأن ذلك ممكن في العقل بلا خلاف، ولا يشكك نفسه في هذا الإمكان إلا ذو خبل وعته وعمى وعمه، وأين الزمخشري من الحديث الصحيح في الشاب الذي يكذب الدجال فيقسمه بالسيف جزلتين فيمشى بينهما ثم يقول له عد فيعود حيا، فيقول له: ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال الذي وصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم به ثاني مرة فلا يسلط عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم " وهو حينئذ خير أهل الأرض أو من خير أهل الأرض " أفرأيت هذا المؤمن لما نظر انخراق العادة على يد أكذب الكاذبين حتى شاهد ذلك في نفسه لم يشككه ذلك في معلومه فلم يتلكأ في معاودة تكذيبه، ولكن - يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء -.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 104 105 108 110 111 112 114 117 119 120 ... » »»