الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٩
بين الجملتين في المعنى؟ قلت معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر، ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للاعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان الخ. قال أحمد: وليس فيما ذكره إيضاح إطباق الجملتين ونحن نوضحه فنقول: الأقسام أربعة: الزاني لا يرغب إلا في زانية الزانية لا ترغب إلا في زان العفيف لا يرغب إلا في عفيفة، العفيفة لا ترغب إلا في عفيف، وهذه الأقسام الأربعة مختلفة المعاني وحاصرة للقسمة فنقول: اختصرت الآية من هذه الأربعة قسمين، واقتصرت على قسمين أحرى من المسكوت عنهما فجاءت مختصرة جامعة، فالقسم الأول ويفهم الثالث، والقسم الثاني صريح في القسم الثاني ويفهم الرابع، والقسم الثالث والرابع متلازمان من حيث إن المقتضى لانحصار رغبة العفيف في العفيفة هو اجتماعهما في العفة، وذلك بعينه مقتض لانحصار رغبتها فيه، ثم يقصر التعبير عن وصف الزناة والاعفاء بما لا يقل عن ذكر الزناة وجودا وسلبا، فإن معنى الأول الزانية لا ينكحها عفيف، ومعنى الثاني العفيفة لا ينكحها زان، والسر في ذلك أن الكلام في أحكامهم، فذكر الاعفاء بسبب نقائصهم حتى لا يخرج بالكلام عما هو المقصود منه، ثم بينه في إسناد النكاح في هذين القسمين للذكور دون الإناث، بخلاف - قوله الزانية والزاني - فإنه جعل لكل واحد منهما ثم استقلالا، وقدم الزانية على الزاني والسبب فيه أن الكلام الأول في حكم الزنا والأصل فيه المرأة لما يبدو منها من الايمان والأطماع. والكلام الثاني في نكاح الزناة إذا وقع ذلك على الصحة، والأصل في النكاح الذكور وهم المبتدئون بالخطبة فلم يسند إلا لهم لهذا وإن كان الغرض من الآية تنفير الاعفاء من الذكور والإناث من مناكحة الزناة ذكورا وإناثا زجرا لهم عن الفاحشة، ولذلك قرن الزنا والشرك، ومن ثم كره مالك رحمه الله مناكحة المشهورين بالفاحشة. وقد نقل بعض أصحابه الاجماع في المذهب على أن المرأة أو لمن قام من أوليائها فسخ نكاح الفاسق، ومالك أبعد الناس من اعتبار الكفاءة إلا في الدين، وأما في النسب فقد بلغه أنهم فرقوا بين عربية ومولى فاستعظمه وتلا - يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم -.
(٤٩)
مفاتيح البحث: الزنا (6)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 45 46 47 48 49 53 54 55 56 57 ... » »»