قوله تعالى (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون بأنفسهم خيرا) قال (معناه: ظنوا بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى - ولا تلمزوا أنفسكم -) قال أحمد: والسر في هذا التعبير تعطيف المؤمن على أخيه وتوبيخه على أن يذكره بسوء، وتصوير ذلك بصورة من أخذ يقذف نفسه ويرميها بما ليس فيها من الفاحشة ولا شئ أشنع من ذلك، والله أعلم. عاد كلامه، قال (ونقل أن أبا أيوب الأنصاري قال لامرأته: ألا ترين مقالة الناس؟ قالت له: لو كنت بدل صفوان أكنت تخون في حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال: لا، قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنته، وصفوان خير منك، وعائشة خير منى) قال أحمد: ولقد ألهمت بنور الايمان إلى هذا السر الذي انطوى عليه التعبير عن الغير من المؤمنين بالنفس، فإنها نزلت زوجها منزلة صفوان ونفسها منزلة عائشة، ثم أثبتت لنفسها ولزوجها البراءة والأمانة حتى أثبتتها لصفوان وعائشة بطريق الأولى رضي الله عنها . ويحتمل والله أعلم خلاف ما قاله الزمخشري وهو أن يكون التعبير بالأنفس حقيقة، والمقصود إلزام سيئ الظن بنفسه، لأنه لم يعتد بوازع الايمان في حق غيره وألغاه واعتبره في حق نفسه وادعى لها البراءة قبل معرفته بحكم الهوى لا بحكم الهدى، والله أعلم.
(٥٣)